فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي ... تضمنه القطراس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي ... وينزل أن أنزل ويدفن في قبري إلخ.
وإنك لترى العجب العجاب حينما تأتي على تراجم المشاهير وما تجد في غضونها من المحن والإحن التي قصد من إيقاعها بهم غمط فضلهم والحط من كرامتهم ووضعهم أمام سيل شهرتهم الجارف سوراً من الجمود أركانه التعصب الأعمى ودعائمه الجهل المطبق.
ولقد أفضت ضراء العلماء والوقيعة بهم إلى الطعن بالمذاهب وقيام طائفة على أخرى كلما لاح لها من الفرصة بارق. ومن ذلك قيام الأكابر على محمد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الملقب بلقب أبيه جمال الإسلام وحدهم له فإنهم خاصموه واستظهروا بالسلطان عليه وعلى أصحابه وصارت الأشعرية مقصودين بالإهانة والمنع عن الوعظ والتدريس وعزلوا من خطابة المجامع وتبع من الحنفية طائفة أشربوا في قلوبهم الاعتزال والتشيع فخيلوا إلى ولي الأمر الإزراء بمذهب الشافعي عموماً وبالأشعرية خصوصاً قال السبكي: وهذه هي الفتنة التي طار شررها وطال ضررها وعظم خطبها وقام في أهل السنة خطيبها فإن هذا الأمر أدى إلى التصريح يلعن أهل السنة في الجمع وتوظيف سبهم على المنابر وضار لأبي الحسن الأشعري بها أسوة بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه واستعلى أولئك في المجامع فقام أبو سهل في نصر السنة قياماً مؤَزراً إلخ. . .
ومما يجدر ذكره في هذا الباب من المتأخرين الشيخ عبد الغني النابلسي فإن أهل الشام تألبوا عليه ووصموه بوصمات لم تكن من الشيخ رحمه الله في شيء. وما دعا أولئك الرعاع إلا حسدهم لمنزلة الشيخ حتى اضطروه إلى مغادرة دمشق والسكنى بالصالحية حيث دفن ثمة. وفي ذلك يقول من قصيدة مطلعها:
يا من تكلم فينا بالذي فيه ... وقعت في كف ضرغام وفي فيه
إلى أن قال:
فقد جحدت الغيور الحق ملته ... هيهات أنك تنجو من أياديه
وإن جهلت فما بالكفر يعذر ذو ... جهل لذي الشرع والشيطان يطغيه
دم في ظنونك مفتوناً فسوف ترى ... من الذي منه قبح الفعل يرديه