العراقيين مائة سوط وعشرة أسواط وكل يوم عشرة أسواط أيضاً وذلك لما أراده لقضاء الكوفة أيام مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية فأبى وبقي على الامتناع وسجنه فتوفي في السجن في أحد القولين. وقيل: أن سبب سجنه الأبدي ما ذكره الزمخشري وهو من كبار الحنفية في تفسير آية: لا ينال عهدي الظالمين إن أبا حنيفة رحمه الله كان يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي رضوان الله عليهما وحمل المال إليه والخروج معه على اللص المتغلب المسمى بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه. وقالت له امرأة: أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل فقال: ليتني مكان ابنك وكان يقول في المنصور وأشياعه: لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على بناء آجره لما فعلت اهـ. وحينئذ بعلم الباحث المدقق أن سبب سجنه أمر سياسي.
ومثله أحمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي ثم البغدادي أمر المعتصم بضربه فأخذ وجيء بالعقابين والسياط وضربه ضرباً مبرحاً حتى أغمي عليه وغاب عقله ثم أمر بإطلاقه إلى أهله فنقل وهو لا يشعر وذلك أنه أبى أن يقول خلاف ما يعلم أو يعتقد حين أجلسه المعتصم ودعاه إلى القول بخلق القرآن فامتنع وقال للمعتصم ما قال ذلك ابن عمك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن القرآن علم الله ومن علم أن علم الله مخلوق فقد كفر. فناظره أحمد بن أبي دؤاد وغيره وأنكروا عليه الآثار التي أوردها وقالوا للمعتصم هذا كفرك وأكفرنا وقال له إسحق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين فعند ذلك حمي واشتد غضبه وكان ما كان.
وكذلك يوسف بن يحيى البويطي صاحب الإمام الشافعي كان الشافعي يسأل عن الشيء فيحيل عليه فإذا أجاب قال: هو كما أجاب وقال عنه الشافعي هو لساني حمل إلى بغداد في أيام الواثق بالله من مصر وفي عنقه غل وأرادوه على القول بخلق القرآن فامتنع ومات بالسجن في قيوده.
وضم إلى هؤلاء الأئمة من أساطين العلم والعمل من لم يرفعوا الأعمال المفسدين رأساً ولم يقيموا لها وزناً وليس ما أصابهم من المصائب بأقل مما نال الأغمار من معاصري الأخير أن تألبوا عليه وكادوه واستظهروا عليه بالأمراء فأحرقوا كتبه الثمينة ومصنفاته وفي ذلك