يقضى هنا على كل ولد ذكراً كان أو أنثى أن يختلف إلى مدرسة حية إلى السنة الثامنة عشرة من عمره والمدارس كلها مجانية حتى أن الأولاد يعطون فيها الكتب والأوراق بلا عوض فلا عذر إذاً للوالدين في عدم إرسال الولد. ويجازى وليه إذا لم يبعث به إلى المدرسة. والتعليم خال من كل نزعة دينية وقد طالعت كتبهم المدرسية للسنة الأولى والثانية والثالثة والرابعة فلم أجد فيها ذكراً للأديان حتى ولا اسم الدين المسيحي أو عيسى أو الكنيسة أو العبادة وكتبهم عبارة عن حض الولد وبعثه على العمل والرغبة عن البطالة وعمل الخير للإنسان والحيوان والصدق والاستقامة. والحق يقال أن أصول هذه التربية ناجحة عياناً لأن الكذب والنفاق والتدليس والسرقة لا وجود لها في الجنس الأميركي على العكس من ذلك في بلادنا. والنساء الأميركيات أعفُّ من نساء مصر والأستانة على جمال فيهن وحسن بزة وشارة. ولكنه هو الجمال الذي زانه الكمال والحسن الموصوف بالاعتدال. ولاشك عندي أن هذه الأمة أرقى الأمم خَلقاً وخُلقاً. أما التعليم الديني فأمره راجع للأسرة يتعلم الولد دينه من أبيه وأمه خارج المدرسة. والدين الغالب هنا بعض مذاهب البروتستانت.
زرت كثيراً من مدارس الفقراء فوجدتها أحسن بكثير من مدارس نيشان طاش وبشكطاش أعني محال الأكابر في الأستانة ولا نسبة بينها. وشاهدت مدرسة لتعليم صب الرصاص مدة التعليم فيها من سنة إلى سنتين وينال المتعلم ١٥٠ ريالاً راتباً شهرياً بعد إتمام تعلمه ومدرسة فن إصلاح الساعات.
ومما شاهدته هنا وعددته من غرائب العقل الأميركي أن ابنة فرنسية حضرت معنا في الباخرة من فرنسا هاربة مع رجل فرنسي تود الاقتران به خلافاً لرضا والده وبعبارة أوضح هرب الرجل معها لأنه لا يجوز للرجل في فرنسا الزواج قبل بلوغه السادسة والعشرين من غير رضا وليه وإذ كان سن الولد دون ذلك اضطر أن يحضر مع خطيبته إلى أميركا ولما خرجنا إلى البر منعت الحكومة خروج الابنة وطلبوا إليها أن تعين ولياً يكفلها لان خروج النساء بدون ولي ممنوع لئلا يدخل الفاسدات فاضطر الشاب أن يخبرهم بجلية الأمر فقالوا أنهم يريدون عقد النكاح في الحال فما هو إلا أن أتى محرر المقاولات وعقد له عليها في خمس دقائق وأخذوا نفقة على ذلك ربع ريال. فانظر إلى هذه التسهيلات