الشعواء أغارت على الجامعات التي أُنشئت في مدينة (نوفوغوردو) و (كرسون) و (موسقو) من بلاد روسيا لما فتحها التتار بحد سيوفهم.
ولما دب في بولونيا دبيب الحياة وقامت تطالب باسترداد حريتها أنشأت الحكومة الروسية تتذرع بكل جليل وتافه لصد هجماتهم وأول ما بدأت به إغلاق الجامعات والمدارس ومن ذلك جامعة (فارسوفيا) الشهيرة التي أغلقت عام ١٨٣٢ وظلت كذلك موصدة سنين وأعواماً. وإنه وإن أذن للجامعات بعدئذٍ أن تفتح أبوابها بيد أنه لم يعد يراعى فيها أصول الحرية في التربية والتعليم في حال من الأحوال.
وإنك لترى الجامعات والمدارس بعد ما توالى على أوربا من الأزمات العلمية والفكرية في حالة النزع والاحتضار إدارة وتعليماً. فأما ما كان من أمر التعليم فأنها كانت تسلك الخطة التي كانت متبعة في القرون الوسطى وكان المتطفلون على موائد العلم يتصافقون الرتب العلمية على رؤوس الأشهاد ولم يكن من المعلمين الحقيقيين من يستطيع أن يدرب التلاميذ على أصول التربية الحديثة وإن كان يوجد فإنهم كانوا يتقاضون مرتباً نزراً يسيراً.
في ذلك الزمن الذي اشتدت فيه الأزمة كانت أوربا تتمخض بالثورات السياسية والدينية. بيد أنها لم تستطع أن تضع حملها إلا بعد أن نبغ فيها فريق من أهل العلم والأدب فبدأوا يجدون بما في طوقهم وطاقتهم وراءَ مكافحة أولئك الخونة المارقين ومنافحتهم في القلم واللسان ليستردوا لبني البشر حقوقهم المغصوبة فكان فيهم العلماء والحكماء والأدباء والقصصيون والشعراء أمثال نيوتن وباكون ويكارت وهيكو وفولتر ولامارتين وتولستوي ولوك وفيختي وكانت وميرابو وموليير وغيرهم من رجال الإصلاح وكذلك كان بين هؤلاء من رجال الإصلاح الديني كثيرون ومن أشدهم جهاداً وجلاداً لوثيروس زعيم المذهب البروتستانتي في البلاد الأوربية والأميركية جمعاء.
فسد هؤلاء العظماء العجز في تربية الشعب وتعليمه واغتنت النفوس بما تجدد في البلاد من الأوضاع وما ظهر في عالم المطبوعات من المصنفات العلمية والأدبية واكتسبت بما اكتسته من الحلل القشيبة ميلاً خاصاً من القلوب فتهافت الناس عليها وهم في أشد الحاجة إلى ما يمحو ما تلطخ على صفحات الأفكار من الشوائب المبهمة. وكان أول انقلاب وقع في نظام الأسرة (العائلة) والمعتقدات. وتمثل هذا الانقلاب بأكمل مظاهره في المبادئ