ذلك لولا أنه أقام سنة كاملة في دار نبورج مختفياً عن أعين الرقباء وأتم خلال هذه المدة ترجمة الإنجيل الذي كان شرع بترجمته بادئ بدء وأحدث انقلاباً كبيراً في الأدبيات الإنكليزية والأفكار.
وبلغ بالقسيسين التعصب في إسبانيا على عهد سكسيمون الثالث مبلغاً هذا حده ولم يكن منهم إلا أن أبعدوا عامة من كانت تهزهم أريحية الوطنية أيام كان القسم الأعظم من واردات الحكوممة مخصصاً لصندوق الكنيسة. وإن شعور التعصب قد بلغ في أوربا أشده حتى كان الوباء إذا فشا نسب إلى الموسويين ومن ثم ترى هؤلاء المساكين يستهدفون لضروب الإيذاء والجفاء ما الله به عليم.
وبعد فإن سلطة العلم لا تقاوم ومن قاومها كان خليقاً بكل أذى يلحقه إن لم يكن عاجلاً فآجلاً. وصوت العلم النافع ـ كما قال رنان ـ كثيراً ما يتضاءل أمام هجمة المهاجمين وقحة الدجالين وللعم صوت متى سكن ضجيج تلك الظواهر يظل ذاك الصوت يسمع فلا يعود أحد يسمع غيره قال: ومن أجل هذا ترى المجامع العلمية على كثرة شكوى أهل الأفكار المنحطة منها فائزة بفضل الغلبة لأنها حارسة حسن الترتيب الحقيقي وهي قليلة ولكنها مفلحة وليس لغير العقل سلطة تبقى.
وإن رجال الإصلاح كلما أغرقوا في الدعوة إليه صموا آذانهم عن جلبة الوشاة والمشائين ولم يحفلوا بما ينزل بساحاتهم من الكوارث وإنهم ليعدون ما يصيبهم من إهانة واحتقار شرفاً لهم وفخراً كما قال الكتاب الفرنسوي: كل قبضة من الوحل تلقى في جبهة صاحب صناعة فهي إكليل من الفخار وقد سيق من سيق من هؤلاء المصلحين إلى القتل وعلى شفاههم تلوح ابتسامة السرور ولسان حالهم يقول كما قال لازوروس: نحن نموت الآن لأن الشعب نائم وتموتون أنتم غداً متى استيقظ الشعب.
هذه آثار الأدوار السوداء ونتائجها ولقد كان للأمم الشرقية من آثار مثل هذه الأدوار حظ وافر ولو لم يزل فيهم من القوة بقية ومن الذكاء الذماء لأودت بحياتهم الأدبية منها والمادية. ومما يقوي آمال رجال الإصلاح ويشد عزائمهم ما رأوه من نهضة المشارقة في هذه القرون الأخيرة فقد تناولت الحركة الإصلاحية الشمس المشرقة (اليابان) ففارس فالأمة العثمانية مما يدل على أن الاستعداد كامن في نفوس البشر التربية تظهره والإهمال يخفيه.