الشعر لا يروق ونفس السامع لا تشوق حتى يذكر حاجز وزرود والدهناء وهبود ويتحنن إلى رمال رضوى فيلزمه تصحيح الاسم وأين صقعه وما اشتقاقه ونزهته وقفره وحزنه وسهولته فإنه إن زعم أنه واد وكان جبلاً أو جبل وكان صحراءَ أو صحراءُ وكان نهراً أو نهر وكان قريةً أو قرية وكان شعباً أو شعب وكان حزناً أو حزن وكان روضةً أو روضة وكان صفصفاً أو صفصف وكان مستنقعاً أو مستنقع وكان جلداً أو جلد وكان سبخةً أو سبخة وكان حرّةً أو حرة وكان سهلاً أو سهل وكان وعراً أو يجعله شرقياً وكان غريباً أو جنوبياً وكان شمالياً سفل قدره ونزر كثره وآض ضحكة ويرى أنه ضحكة وجعل هزأة ويرى أنه هزأة واستخف وزنه واسترذل واستقل فضله واستجهل اهـ.
وبعد فقد نبغ في علماء العرب بفن الجعرافيا أناس لم يزالوا يذكرون كما يذكر الأفراد فمن قدمائهم أبو موسى الخوارزمي وعبد الله بن خرداذبة وابن واضح اليعقوبي وابن الفقيه الهمذاني وعمر بن رستة وقدامة بن جعفر والجيهاني وعلي بن فضلان وأبو دلف مشعر وأبو زيد البلخي وأبو إسحق الاصطخري وشمس الدين المقدسي وعلي بن الحسين المسعودي وأبو الريحان البيروني وأبو عبيد البكري وأبو سعيد الأصمعي وأبو عبد الصيرافي والزمخشري ومحمد بن أحمد الهمذاني ومحمد بن أبي بكر الزهري والشريف الإدريسي وابن فضل الله العمري ومحمد المازني ومحمد بن علي الموصلي وأبو عبد الله بن شداد وأبو محمد العبدوي وأبو عبد الله ياقوت الحموي وزكريا بن محمد القزويني وابن سعيد المغربي وشمس الدين الأنصاري الدمشقي والملك أبو الفداء صاحب حماة وابن بطوطة وابن الوردي وابن إياس وهذا كان آخرهم ممن يعتد بأقوالهم فقد جاء في القرن العاشر للهجرة وبعد ذلك انقطع سند العلوم الجغرافية من المسلمين بزهدهم في كل علم ولغلبة الجهل وإن صادف أن جاء من اشتغل بالجغرافيا بعد ذلك العهد فيكون ناقلاً عن مصنفات أولئك الأعلام أو مختصراً لبعضها شأن العرب في القرون الثلاثة الأخيرة في جميع ما كتبوا فقد فقدت منهم ملكة التأليف والاختراع وصاروا نقلة عاديين والله أعلم.