ولما اجتمع ابن خلدون بتيمورلنك سنة ٨٠٢ هـ في دمشق سأله هذا عن بلده والمغرب الأقصى فذكر له ابن خلدون ما حضره وطلب منه أن يؤلف له مختصراً وجيزاً يصف له بلاد المغرب كلها أقاصيها وأدانيها وأنهارها وقراها وأمصارها فكتب له في غربته اثنتي عشرة كراساً في وصف المغرب.
وأجمع تعريف للجغرافيا يستدل منه على موقعها من نفوس العرب واتصالها بعدة علوم لهم ما قاله ياقوت في مقدمة معجم البلدان: ومن ذا الذي يستغني من أولي البصائر ع معرفة أسماء الأماكن وتصحيحها وضبط أصقاعها وتنقيحها والناس في الافتقار إلى علمها سواسية وسر دورانها على الألسن في المحافل علانية لأن من هذه الأماكن ما هي مواقيت للحجاج والزائرين ومعالم للصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين ومشاهد للأولياء الصالحين ومواطن غزوات سرايا سيد المرسلين وفتوح الأئمة من الخلفاء الراشدين وقد فتحت هذه الأماكن صلحاً وعنوة وأماناً وقوة ولكل من ذلك حكم في الشريعة في قسمة الفيء وأخذ الجزية وتناول الخراج واجتناء المقاطعات والمصالحات وإتالة التسويفات والإقطاعات لا يسع الفقهاء جهلها ولا تعذر الأئمة والأمراء إذا فإنهم في كريق العلم حزنها وسهلها لأنها من لوازم فتيا الدين وضوابط قواعد الإسلام والمسلمين فأما أهل السير والأخبار والحديث والتواريخ والآثار فحاجتهم إلى معرفتها أمسُّ من حاجة الرياض إلى القطار غب أخلاف الأنواء والمشفي إلى العافية بعد يأسٍ من الشفاء لأنه معتمد عليهم الذي قلَّ أن تخلو منه صفحة بل وجهة بل سطر من كتبهم وأما أهل الحكمة والتفهيم والتطبب والتنجيم فلا تقصر حاجتهم إلى معرفته عمن قدمنا فالأطباء لمعرفة أمزجة البلدان وأهوائها والمنجم للاطلاع على مطالع النجوم وأنوائها إذ كانوا لا يحكمون على البلاد إلا بطوالعها ولا يقضون لها وعليها بدون معرفة أقاليمها ومواضيعها ومن كمال المتطبب أن يتطلع إلى معرفة مزاجها وهوائها وصحة أو سقم منبتها ومائها فصارت حاجتهم إلى ضبطها ضرورية وكشفهم عن حقائقها فلسفية ولذلك صنف كثير من القدماء كتباً سموها جغرافيا ومعناها صورة الأرض وألف آخرون كتباً في أمزجة البلدان وهوائها نحو جالينوس وقبله بقراط وغيرهما وأما أهل الأدب فناهيك بحاجتهم إليها لأنها من ضوابط اللغوي ولوازمه وشواهد النحوي ودعائمه ومعتمد الشاعر في تحلية جيد شعره بذكرها وتزيين عقود لآلي نظمه بشذرها فإن