من حكماء أهل عصره صور فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره وغامره ومساكن الأمم والمدن وغير ذلك وهي أحسن مما تقدمها من جغرافيا بطليموس وجغرافيا مارينوس وغيرهما اهـ.
قال السنيور جويدي الإيطالي وليس حكماء العرب هم الذين عنوا دون غيرهم من الأمة العربية برسم صورة الأرض بل أن أمراءهم كذلك ومنهم أمير المؤمنين المأمون الخليفة العباسي فإنه أغرم برسم الأرض وبذل قصارى جهده في إبرازها فجمع من بالعراق من حكماء دولته زهاءَ سبعين حكيماً على ما قيل فاجتمعوا على تكوينها وأحكامها حتى فضلت بذلك ما تقدمها من الصور اهـ ولقد عرف المسلمون أن من جملة أسباب الفتح معرفة طرق البلدان والأمصار فقد ذكر المؤرخون أنه قام الملاحون المدعوون بالمغرورين في القرن الأول للهجرة وأقلعوا من لشبونة عاصمة البرتغال اليوم بغية الوصول إلى ما وراء كولمبس وفي البعثات التي سيرها الخلفاء إلى القاصية كبعثة الواثق العباسي لاكتشاف سواحل الخزر وبعثة المقتدر بالله عام ٣٠٩ إلى البلغار للدعوة الإسلامية فيها وأخذ أحد أعضاء البعثة أحمد بن فضلان معلومات مفيدة عن تلك البلاد وفي الحملة التي وصلت إلى بكين بعد فتح كاشغر سنة ست وتسعين للهجرة لدعوة الصين إلى الإسلام في كل ذلك أكبر دليل على تقدير العرب على رسم الأرض أو الجغرافيا أو علم تقويم البلدان.
ولقد كان علماء الحديث من أشد الناس عناية بالجغرافيا لتمييز النسب إلى البلدان والفرق بين الرجال ومساقط رؤوسهم وهذا هو السبب الذي دعا أرباب المعاجم أن يذكروا أسماء الأمصار والقرى. ومن راجع باب العشر والخراج في مطولات الفقه علم ما بين الفقه والجغرافيا من التعلق.
كتب أحد الخلفاء إلى حكيم من حكماء عصره حين فتح الله البلاد على العرب من العراق والشام ومصر وغيرها يقول: إنا أناس عرب وقد فتح الله علينا البلاد ونريد أن نتبوأ الأرض ونسكن البلاد والأمصار فصف لي المدن وأهويتها ومساكنها وما تؤثره الترب والأهوية في سكانها فكتب إليه ذلك الحكيم بجغرافيتها الطبيعية. وكتب عمر ابن عبد العزيز إلى أحد عماله أن يصف له جزيرة الأندلس لأنه علم أن المسلمين نزلوا فيها في بلاد يحيط بهم الإفرنج من أكثر الجهات ولا بقاء لهم في تلك البلاد.