ومن كان محروراً واضطر إلى الوبر فليجتنب الثقيل الطويل الشعر كالثعلب، وليجتنب ما كان ضاماً للبدن كله كالأقبية ونحوها، وليقتصر على ما يدفئ الظهر فهو أشد ما في البدن برداً إلا أن الأعضاء التي فيها الحرارة كالكبد والقلب في البطن دون الظهر ولذلك يكون ابتداء الأمراض عنه أعني الظهر فإن الأخلاط فجة هناك فتبتديء الطبيعة بها ولا يغم رأس المعدة قإنه موضع حساس، وللصفراء هناك تسلط ربما آذاه لصوق الوبرية بل يجتهد أن يصل إلى هذا الموضع روح الهواء ما لم يضره، أو يخالف عادته ويتوقى ملاقاة الريح فإن التحرز من البرد فيها لا يمكن في الهواء الساكن فإن اضطر إلى ذلك استكثر من الدثار وتلثم وسد منخريه ولم يستنشق من الهواء البارد بل يتنفس من كمه أو ما يستره، وإن كان ممن يمشي مشي فسخن جوفه وإن لم يكن ممن يمشي ركب دابة كثيرة الحركة محوجاً له إلى الرياضة ودلك بدنه وقتاً بعد وقت فإن الحركة تقاوم البرد ودليل ذلك ما تشاهده من جمود الماء الواقف قبل الجاري ولا يباشر السفر في هذه الحال، إلا بعد أن يغتذي غذآء خفيفاً غير تام ويجعل فيه كالثوم والخردل، وأنفع من ذلك كله الشراب الموصوف فإنه يسخن الدم في عروقه. ويختار للصيف المساكن الفسيحة الكثيفة الحيطان التي للرياح الهابة فيها مخترق وترش وينضح الجسد بماء الورد ويروح عنه فأما السراديب والمواضع العميقة فتجتنب البتة فإن أهويتها غليظة تكسل وتفتر وإذا جلس في الخيش استعلى عن سطح الأرض بالأسرَّة وما يجري مجراها واحتال لوصول الهواء من أعالي البيت ليخفف عنه ثقل الهواء الثقيل المنحصر فيه ويكون الاستكنان في الخيش في وقت الظهيرة لا قبله ولا بعده ويستعمل الأطعمة الحارة في الشتاء فعلاً ومزاجاً والأطعمة الباردة في الصيف.
باب تدبير المطعم
من أخذ من الغذاء قدر حاجته من غير زيادة عليه ولا تقصير عنه دامت له الصحة، وكان مثله كالمصباح يمد من الدهن بما لا ينقطع عنه فيطفئه ولا يغمره فيفرقه وأقوى الأغذية غذاء اللحم، ولذلك صارت السباع التي تغتذي به أقوى من غيرها والأمم التي تنفرد باستعماله أشد بطشاً وأكثر غناءً في المصاولة ممن سواها كالأتراك ومن أشبههم وأفضله المعتدل الذي لا تغلب عليه كيفية من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة كلحم الضأن ولذلك صار الإنسان لا يمله وصار يطيب بكل صنعة وبكل طعم يضاف إليه وخص بهذه