فكان يكفي الطالب منها أن يلفظ الأسماء المستعملة ليذهب بعد إلى إفريقية وآسيا داعية للنصرانية ومن كان يحب التقدم منهم في معرفتها مجذوباً بما حوت من الآداب الغنية لم يبلغ شوطاً كبيراً في معرفتها إذ لم يكن يراها أحد عنوان مجد لإسبانيا الكاثوليكية في عصره.
ومن العدل أن يقال أن إسبانيا كانت منذ عهد فيليب الرابع إلى شارل الثالث تتخبط في المسائل الشاقة سواءٌ كان في شؤونها الداخلية أو الخارجية فلم يترك لها انحطاطها السياسي والعملي وقتاً ولا قوة لدرس العربية والتفرغ للبحث في تاريخ الحضارة الإسلامية وقد أوشكت على عهد شارل الثالث ملك الفلاسفة أن تعود العربية وآدابها إلى ما كانت عليه من الحياة في إسبانيا وإن كان بعض الإسبانيين إلى اليوم ينكرون على هذا الملك أفكاره على أنه كان له في إسبانيا الحديثة شأن أقل من فيليب الثاني وإن كان مثله في مكانته وسلامته ففيليب الثاني وشارل الثالث هما الملكان الكاثوليكيان اللذان بلغا بمملكة إسبانيا أوج الفخار أما شارلكان فهو أوربي أكثر منه إسباني وإن كانت إسبانيا بلد أمه. وبآثار ذينك الملكين يعثر في كل خطوة من يزور شبه جزيرة إسبانيا. فقد بلغ من جرأة شارل الثالث أن ضرب الماضي ضربة أدخلت إسبانيا في الحياة الجديدة التي أخذ شعوب الغرب يستمتعون بها فأراد وهو مشغول القلب بماضي مملكته شغله بسمتقبلها أن يعيد إلى إسبانيا عهد الآداب العربية فاستدعى لذلك رهباناً موارنة من سورية وأنفق عليهم النفقات الطائلة ليعلموا الإسبانيين لغتهم الأصلية الثانية. وكان هذا العمل من الصعوبة بحيث لم يكف عصر شارل الثالث (١٧٥٩ ـ ١٧٨٨) لإتمامه هذا مع ما وقف في سبيله من الأوهام والعثرات حتى إذا مضى لسبيله انقطع العمل الذي قصد إليه. بيد أنه يحق للنصف الثاني من القرن الثامن عشر أن يباعي بأساتذة متمكنين من أسرار العربية أمثال القصيري وكامبومان والأب بلانكري وكوندو وفري باتريسيو دولانور وغيرهم.
جرَّت حروب نابوليون الويلات والاضطرابات على شبه جزيرة الأندلس وانقطع على عهد فرديناند السابع كل عمل يراد به إحياء العلم على نحو ما بدأ به شارل الثالث. ولما تولت الملك إيزابيلا الثانية قويت النهضة وخلصت النيات للتجديد ودخل الإصلاح إلى تلك الكليات القديمة التي كانت تتسكع في ديجور الباطل والعاطل إلا أن مسألة تعلم اللغة