وعلوم المصريين والرومانيين بعد أن هذبوه وغسلوا عنه ما تراكم عليه من الأوضار بأيدي الرؤساء في الأمم حتى غدا بفضلهم أبلج ناصعاً يختال في حلة عربية تدهش الناظرين وتزري بكل شيء في العالمين.
وإن ديناً هذا شأنه في ترقية الشعوب وتهذيب النفوس لجدير بأن لا يقف بأهله تيار الرقي والتيكلما توالت الأيام وحرصوا على التمسك بمبادئه ونهجوا منهجه القويم، فما هو هذا الداء العضال الذي مني به المسلمون فتقاعسوا عن اللحاق بأسلافهم وتقطعت بهم السبل وبرح بهم داء الفشل.
ارجع البصر معي أيها السامع الكريم وانظر إلى ما وصلت إليه حال المسلمين. إنك لا تجد إقليمين متجاورين أو ناحيتين في إقليم أو قريتين فيناحية أو بيتين في قرية وأهل أحدهما مسلمون والآخر غير مسلمين ألا وتجد المسلمين أقل من جيرانهم نشاطاً وانتظاماً في جميع شؤونهم الحيوية والعمومية وأقل من نظرائهم في كل فن وصنعة وأعظم إهمالاً وأكثر خمولاً وأكبر شقاقاً وأحقر نفوساً وأتعس حالاً حتى توهم كثير من حكماء الأمم الحية لينصفوا التاريخ أن الإسلام والنظام ضدان لا يجتمعان وعدوان لا يأتلفان.
أيها السادة
إن علينا واجباً كبيراً وفرضاً محتماً أمام الله ورسوله والناس أمام الشرف والتاريخ لا نخرج من عهدته ولا نبرأ من تبعته إلا إذا وجهنا جل عنايتنا وصرفنا أوقاتنا وقللنا شباة يراعنا بحثاً وتنقيباً حتى نصل إلى تشخيص هذا الدواء ومعرفة جراثيمه وأعراضه وما يستأصلها من الدواء الناجع وهذا أفضل جهاد نثاب عليه من الله والتاريح ولنعم الجهاد هذا الجهاد لذلك رغبت في أن يكون هذا المبحث الجليل موضوع محاضرتي اليوم طرقته مستعيناً بالله وربما أوتيته من العلم فأقول:
اختلف الباحثون من العلماء في منشإ هذا الفتور فذكروا أسباباً كثيرة كلها فروع ترجع إلى أصل واحد ألا وهو الانحراف عن جادة الكتاب والسنة وتلمس الهدى من غيرهما فحقت علينا كلمة القرآن إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها