للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك اليوم تنسى. وقد ذكرنا في المقدمة ما كان عليه العرب قبل الإسلام من الأعراث في البداوة لم يتبلغوا بشيء من التعليم والترف ولم يشموا رائحة العلم والصناعة فما كادوا ينفضون عنهم غبار الوثنية حتى ظهر من أمرهم ما قصصناه عليك. وذلك أن الدين الإسلامي كما أنه يدعو الناس إلى توحيد الله والإيمان بما بعد الموت من عالم الغيب يدعوهم أيضاً إلى الإيمان بعالم الشهادة والسير على سنن الكون قد أطلق لهم عنان الحرية وطالبهم بالتفكر فيما خلق الله من عالم السماوات والأرض قد وضع لهم قانوناً جامعاً لضروب الهداية متكفلاً لهم أن هم اتبعوه ونصروه بإصلاح شؤونهم في هذه الحياة الدنيا قد أحكمت أصوله على قاعدة جلب الداقع ودرء المفاسد والإرشاد إلى أنه الدين القيم الفطري الملائم لإصلاح النفوس بالأخلاق الفاضلة وإصلاح شؤون البشر الاجتماعية بإقامة العدل واتباع الطريقة المثلى في كل شيء. سنة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله.

فهم السلف الصالح هذا الأصل من القرآن فاهتدوا بهديه ولم يحيدوا عنه قيد شبر عالمين (إن من أقام هذه الأركان كلها كان هو المسلم الكامل ومن هدمها كلها كان ملحداً في دينه ومن كان أقرب إليها كان حظه من السعادة بمقدار سهمه منها) وأن ليس بعد القرآن والسنة إلا الضلال والعمى كما قال تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.

تفرع أيها السادة عن هذا الأصل الوبيل أمراض هشمت من عظمة الإسلام وشوهت من محاسنه فأول جرثومة سرت منه إلى المسلمين رجحان كفة السياسة الكاذبة على كفة الدين الصحيح لحاجة في نفس بعض الأمراء المستبدين كانت الحكومة الإسلامية في أحكامها نيابية اشتراكية (ديموقراطية) كما نطق بذلك القرآن الكريم وأرشدت إليه السنة وظلت كذلك زمن الخلفاء الراشدين إلى أن وقع النازع بين علي ومعاوية فاتخذ بنو أمية ذلك ذريعة حول مجراها وقيد معالها وجعلها ملكاً عضوضاً يمكله فرد يستبد به كيف شاء فبدأ يتطرق إلى الأمة داء الذل ووجد الضعف منفذاً إلى قلوبهم ووجد الأبرياء من بعدهم مع توالي الأيام مجالاً فسيحاً من صدور أولئك الذين نصبوا أنفسهم قادة للدين وسموا أنفسهم حماة الشريعة فوضعوا لذلك أصولهم في التشيع والاختلافات في أصول الدين وفروعه فانشغل بها الناس وصدقوا عن الكتاب والسنة وولوا وجوههم شطر البدعة وذهبوا شيعاً