والإرشادات فكانت خطبهم تفعل بالنفوس ما لا تفعله السيوف. هذه كتب الأدب فطالعها إن شئت تجدها مشحونة بخطب السلف من الأمراء وغيرهم على نحو ما تسمعه اليوم عن الغربيين في دور نوابهم ومجالس أعيانهم كم نبهت شعوراً وأحيت أمماً وأماتت جبناً وأصلحت معوجاً وهذبت نفوساً وسنت نظاماً انعكست القضية فأصبح خطباء المساجد إلا قليلاً من أجهل الناس يقولون ما لا يفعلون ويتكلمون بما لا يفهمون من سقط القول فلا تسمع إلا سجعاً كسجع الكهان وإني يؤثر الوعظ إذا كان لا يتجاوز اللسان.
احتياجنا إلى العلم
أيها السادة ما أشبهنا في حياتنا الاجتماعية بالحيوانات الأليفة أو الطيور الداجنة التي يحبسها ربها في الأقفاص تنتظر منه فضالة من طعام أو رشفة من ماء فإن هو منعها ذلك هلكت جوعاً وظمأً إذ ليس لها من الحول والقوة ما تفك به قيود الأسر فتخرج إلى الفضاء آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان.
واأسفاه. سبقتنا الأمم شوطاً بعيداً فأصبحنا في مؤخر الرحل كقدح الراكب عالة عليها في كل حاجاتنا الأدبية والمادية حتى فيما يتوقف عليه فهم كتابنا الكريم من الحكمة العرفية والعلوم الكونية. بربك هل تجد فيما يدرأ عنك طواريءَ العاديات وتدفع به غوائل الحر والبرد مما تذود به من سلاح ولباس وما تسكنه من قصور شامخة ومبان شاهقة وأكواخ حقيرة وما تحتاجه من آنية طعام وشراب وموائد وأخشاء وحرائر وأطالس وفرش ومقاعد ومصابيح ومطابخ وحلي وجواهر ونقود ومعادن وما يحتاجه الزارع في زراعته والكاتب في كتابته والكيماوي في حانوته. هل تجد في كل ذلك أبداً لصانع شرقي اللهم إلا إذا كان مكارياً أو سمساراً أو عاملاً بسيطاً أو تاجراً لا يربح من تجارته إلا اليسير لا يدري أين صنعت ولا كيف صنعت.
جهلنا حقائق الأشياء فلا نعلمها إلا أماني وانتصرنا على ما يتعلق بعلاقة الإنسان مع ربه وحكمنا على ما عدا ذلك بالإعدام وحاربنا أهله وأزهقنا روح التقدم وأطفأنا مصابيح العرفان في الأذهان.
أين منا المؤرخ والنباتي؟ أين منا الطبيب والكيماوي أين منا المهندس والطبيعي واللغوي والأديب والمنطقي أين منا عالم الأخلاق والحكيم والفلكي وعالم الزراعة نعم إن لدينا منكم