كيفية فاسدة وعلامته ثقل البدن وحكة ليس لها لذع شديد أو لفساد الكيفية بغير كمية فيكون مثل الماء الذي يغلي على النار، وعلامته حرقة الجسد ويثور لذاعه أو تغلب فيه الكيفية والكمية فتمكن منه العفونة والاستحالة وعلامته مجاوزة الأعراض التي ذكرناها إلى توليد الأمراض، والحمايات والأورام، والصنف الثاني يخرج منه القليل وربما أغنى فيه التسكين والأول أكثر والثالث يخرج منه كل ما تحله القوة ويقدم الفصد قبل الدواء لأن الإخلاط الآخر متشبثة بالدم فربما أغنى إخراجه عن المسهل وليكن الإقدام عليه وقت استحكام قوة البدن ويمتنع بعد الفصد من الأغذية التي تولد السدد والكيموس الرديء كالبقول والفواكه ويجتنب على حال خواء أو امتلاء أو خمار أو جماع أو تحرك بعض الأعراض النفسانية.
القول في حفظ صحة الأنفس
ينبغي للعاقل أن يشعر نفسه أن الدنيا مبنية على الشوائب والتكدير فلا يطلب منها ما ليس في طبيعتها ويستعمل التغافل وترك الاستقصاء ويروض نفسه على احتمال صغير ما يضجر فإنه تمرين على احتمال الكثير ومن التدبير البليغ أن يعرف الإنسان وزن نفسه ومبلغ استقلاله وقوة قلبه فيكون ما يخاطر في طلبه ويغرر له من مآربه بحسب احتماله فإن راحة القلب وطمأنينة مع الإقلال خير من ضده مع ضده والإنسان يقبل من غيره أكثر مما يقبل من نفسه ولذلك يجب أن يكون مع الملك طبيب لأخلاقه كطبيب الجسم يذكره ويعظه في أوقات الخوف والغضب.
فصل آخر في الخوف
الخوف هو أبعد وأسهل والفزع لما هو أقرب أو أشد فلذلك كان الخوف مقدمة للفزع والجزع أشد الحزن فهو من الحزن كالفزع من الخوف.
فصل في الغضب
ينبغي للعاقل أن لا يفارقه من قد أطلق له وعظه وتذكيره في أول اهتياج الغضب عليه وأن يتصور أن الغضب كالنار أولها سريع الإطفاء وآخرها كثير الضرر فليقصد لقمع غضبه من أوله كما يكبح الفرس في أول جماحه وليتذكر فضيلة الحكم وشرف الكظم وما حازه الحكماء من حسن الذكر ويفكر في أن شدة الانتقام وسرعة المؤاخذة لنفر قلوب الخدم وتكسب الأحقاد والضغائن وتفسد طاعة المحبة وتنقلها إلى طاعة الرهبة والذين يطيعون