للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرئيس بالمحبة حراسه من حيث يعلم (ولا يعلم) والذي يطيعونه بالرهبة يحتاج إلى الاحتراس منهم وما أحسن قول بعض الملوك (ما غضبي على من أملك ولا غضبي على من لا أملك) ويجب أن يفكر في أنه لا يكاد يعاقب إلا على ما فيه جنس منه ومن عاقب على ما يأتي مثله أو بعضه فليس بمنصف ويذكر نفسه حرمات المغضوب عليه ووسائله أو ما يرجو من مستأنف خدمته وما يستخلصه الحلم من طاعته ومناصحته ويجب أن لا يقع بصره على من أغضبه إلى أن يسكن غضبه.

فصل في الخوف والفزع

ليس شيء يخاف من الإنسان كخوفه على نفسه من التلف والألم ومنه شيء يكون على البديهة لرقة الطبع وسرعة استحالة النفس وهذا لا حيلة في دوائه ويجب أن يفكر الخائف في قولهم أكثر الروع باطله فإن الحكماء شبهت الأمور المخوفة بالضباب الذي يتولد على وجه الأرض فيتخيل الإنسان من بعد أنه جسم كثيف ليس فيه متنفس ولا عمل للبصر فإذا أفضى إليه وجده شبيهاً للهواء الذي فارقه وشدة الخوف ربما أذهل عن الحيلة للخلاص مما يخاف فيكون الخوف داعية ما يخافه الإنسان والعاقل لا يستجيز مثل هذه الحال ويجب أن يفكر في أن الخوف والجزع من خور النفس وأنهما خاصة للصبيان والنساء فيغضب على نفسه من أن لا يكون فيها من الجلادة والصرامة ما ينفي هذا العار عنه فليس شيء أبلغ في التشجيع من قوة الأنفة، ويفكر في أن الخوف فعل الغر الذي لا يعرف حقائق الأشياء ولذلك خوف الصبي أكثر وخوف من لم يشاهد الحروب والقتلة أوفر ولو قد تحقق الصبي من حال الأشخاص التي يفزع بها ما تحققه البالغ العالم لما خافها وقل اكتراثه لها وخوف الصبي والجاهل كخوف الطير من الشبح الذي ينصب لها على الزرع ولو تحققت كيفيته لأقدمت عليه وكنفار الخيل من الأشخاص التي لم يألفها حتى تؤنس بها فالمغ الأدوية في إزالة الخوف الاستكثار من العلم والمعرفة بحقائق الأشياء وتعويد حاسة السمع والبصر ملابسة ما يهول ويجب أن يخرج أولاد الملوك إلى معارك الحروب لتهون عليهم الأهوال فإن الأطباء الذين يباشرون الكيّ والبط والملاحين الذي قد تمرنوا على الرياح العواصف والأمواج العظائم يقل ارتياعهم لما يشاهدون من ذلك ولذلك يرتاع الإنسان للمرض أول ما يناله ثم ينوبه دفعات فيألفه فيقل استيجاشه منه والجاهل تروعه الكسوفات والعالم العارف