للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأسبابها وحسابها قليل الارتياع منها وهذا مثل لغيره.

فصل في الحزن والجزع

الجزع أشد الحزن وهو كالنار الملتهبة والحزن كالجمر الباقي بعد سكون اللهب وكأن نفس الإنسان التي هي نور بدنه وضياء جسده في حال الغم والحزن، شمس كسفت وهو يفعل ضد المسرة فإن وجه المسرور مستبشر بهي مشرق والحزن لفوت محبوب كما أن الخوف توقع مكروه والحزن أبداً لما مضى والخوف لما يستقيل والحزن المجهول السبب يرجع إلى الأعراض البدنية وتولده عن كدر الدم أو برده ومن أدويته النفسانية إحداث السرور بالمحادثة والمؤانسة وينبغي للمحزون أن يتذكر ما بقي له من قثيتة (؟) فإن ذلك يسليه عن المفقود ويتصور كثرة الأسى له ففي ذلك سلوة ويتصور أن الحزن يبلى كل يوم وينقص فإن التفكر في ارتفاع المكروه ونقصانه يعقب سروراً عاجلاً.

القول في الوسواس

هذا منه جنس من قبل الطبع وما يقع في المولد وهو ألزم وأسلم من الغريب الطاري والوسواس على نوعين نوع فيما يرجى ونوع فيما يخشى فالذي يرجى كالمستهتر بمعشوقه فلا يعرف غير صياغة الأماني فيه والاشتغال عن أكثر أعماله به، والذي يكون فيما يخشى فإنه يوهم الإنسان الشيء يخافه وهو بعيد عنه مقام القريب منه، فلا يزال نصب وهمه فكأنه يلاحظه ومتى أراد الاشتغال بغيره طفرت نفسه إليه، ومن شأن من هذه حاله أنه إذا عرض له أمر من الأمور يمكن أن يتصرف على وجهين لم يذهب وهمه إلا إلى ما هو أصعب وأخوف دون ما هو أسهل وأرجى ومن الأعوان على إزالة هذه الأفكار ترك الانفراد فإن الوحدة تهيج الفكر لا سيما إذا كانت النفس ذكية رقيقة الطبع، وإنما تحمد الوحذة الذي سلطان يخلو بالفكر في تدبيره أو لعالم يخلو باستنباط حكمة أو لناسك ينفرد بمناجاة ربه وما خلا هذه الوجوه من أبواب التفرد مذموم، وعلى أن الله عز وجل خلق الإنسان يحب الأنس والاجتماع مع أهل جنسه فليس يسد ذاك عن هذا الطبع إلا من عرض له نقص في طباع الإنسانية ومناسبة السباع وهو خلق موجود في الحيوان الذي طبعه أفضل وأسكن كبهائم الأنعام والطير وضده موجود في السباع من الصنفين ولذلك قيل أن الواحد شيطان ويجتنب الفراغ كتجنبه الوحدة ويصرف الفاضل من أوقات زمانه عن