من جوانب المسلمين وفريق وتوجه من بقي في البلد من أهل الفلاحة وغيرهم للإنذار وتقليع الأقطار وأعلام أهل البوادي بنبأ هذا العسكر الجرار ورفعهم عن مواضع سكناهم عسير ولا يرد قدر الله عمن هو قتيل أو أسير واستصرخنا الأمير الأجل أبا زكريا يحيى بن اسحق وفقه الله لهذا الخطب النازل والعدو المغير المنازل فتوانى فيما كان يروم وسبقه إلينا الروم فأغاروا من الوادي الكبير إلى القليعة إلى لورة إلى فرنجولس واجتاز الوادي إلى يلمه وبعض نواحي استجة وكان ذلك في اليوم الثالث من وصول خبرهم إلينا ووروده علينا وأكثر أهل هذه الناحية لم يطيعوا النذير ولا صدقوا التحذير بل غلبهم ضعف المقدرة عن الانتقال وكثرة العيال والأطفال فامتلأت بالسبي الجبال وأسلمت من فيها السهول ولا تعصمهم الجبال وأخذوا من النهاب والإمتاع والحاضر والكراع ما لا يدركه الإحصاء ولا يملكه الاستقصاء وبقوا في ذلك يومين لا يجدون من يرد امتدادهم ولا من يرمي سوادهم حتى غلب أكفهم الانتهاب وضامه بهم المشي والذهاب ووصل كتاب وإلينا أبي محمد بن كركي بعد أخذه في الصدر والقفول من ذلك السفر يذكر ما اتصل به من الخبر ووعدنا بالتشمير في اتباعهم وأخذ الاهبة لقراعهم وتلوه إذن الله في ذلك لاعبين بكثرة الجند واجتماعهم وجاء أيضاً عن والي إشبيلية أنه وصل لورة وسيره حثيث وهو للمسلمين ناصر ومغيث والنصارى قد أثقلتهم الأسرى والغنائم فلا يمشون إلا رويداً ولا ينتقلون إلا صار الأمن لهم قيداً واجتمع الواليان وفقهم الله والعدو لم يبعد طلبه ولا تعذر مطلبه ونفر المسلمون من كل مكان خفافاً وثقالاً فرساناً ورجالاً وقد رأوا أسباب النجح بينة ولوازم الجهاد متعينة ولما تراءت الفئتان قصرت الأقدام وقلّ الإقدام وطفئت الحفائظ وكان لها توقد واحتدام ونسي فرض الإسلام واستخف ثقل الملام ورأى الكافر ما عليه من عساكر تترادف أمدادها وتزيد ضعفاً على من عنده أعدادها فلجأ العدو إلى جبيل لا يعصم الهارب ولا يمنع الطالب وسدل به الرجالة المطوعون فأرهقوه عسراً وحالوا بينه وبين المواشي قسراً وخالطوا الكفار في صعيد وسائر العساكر غير بعيد ورزق الله المطوعين الصبر في محاربتهم والاجتهاد في مطاعنتهم ومضاربتهم فما ذعر الكفار لهم سرباً ولا فلوا لهم غرباً فاستمدوا الولاة وعندهم الكماة وبين أيديهم الرماة فما أمدوهم بحام ولا أعانوهم برام بيد أن الكفار يئسوا من الحياة ولم يطمعوا في النجاة واعتنقوا اعتناق وداع ولا يثقوا بقوة ولا