والشام وهي أرقى منها من حيث الوضع والطبع وأشبه بالمجلات الأوروبية في أن أبحاثها تكتبها الأيدي المنوعة من أهل الإخصاء، ومن العجيب أن مصر على كثرة علمائها الأخصائيين لم يصدر فيها حتى الآن مجلات يكتبها المصريون أنفسهم ولولا مجلة الجامعة المصرية وصحيفة نادي دار العلوم وهما ابنتا هذه السنة لقلنا أن مصر لا تميل للعلميات ميلها إلى السياسات وأهل العلم والأدب فيها لا صبر لهم على المشاريع العلمية حتى تنضج كما صبر أرباب المشرق والمقتطف والمنار والهلال والمقتبس والجامعةوغيرهم من أرباب المجلات السورية الحديثة كالمباحث والنبراس والمنتقد والحسناء والكوثر والنعمة والعرفان وغيرهم ممن لا تحضرنا أسماؤهم في مصر والشام.
أما جرائد سورية اليومية فهي أشبه من كثير من الوجوه بالصحافة التونسية من حيث المواد وقلة البحث في حالة البلاد وإن كانت جرائد الشاميين أكثر حرية وأسلم عبارة بل أنضج أسلوباً من جرائد التونسيين والفضل في ذلك للمدارس التي تعلم آداب العربية في الشام أكثر من تونس على أن المملكة التونسية وإن كانت أصغر من الجزائر ومن مملكة مراكش فهي في هذا العهد أرقى لهجة وعربية منهما بل هي بالنسبة للجزائر كنسبة سويسرا إلى إسبانيا أو ألمانيا إلى روسيا ولعل كثيراً من فقهاء الجزائريين يحرمون حتى اليوم كبعض فقهاء المراكشيين ما يقال له الجرائد والمحلات وكم للجامدين من جنايات جنوها على الدنيا والدين.
وقصارى القول أن الصحافة التركية أرقى بمجموعها من الصحافة العربية ولا سيما في السياسات والإداريات والعسكريات، والترك منذ قرون هم أهل السياسة والإدارة والجندية وأدبياتهم أيضاً أقرب إلى الأدبيات الغربية من أدبيات العرب، وعسى أن يكون الترقي الذي يتناول كل أمة فينبلها حظها منه في ظل القانون الأساسي يجري التعادل بين البلاد فيعم الارتقاء أنحاءها كافة بعد جيل أو جيلين من الناس ويجدّ رجال صحافتنا في الولايات العربية في ترقية جرائدهم ومجلاتهم ويسهرون على إيداعها كل مفيد من الأبحاث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والإدارية والعلمية والأدبية بحيث يزول عن العقول صدؤها فتتحلى من حلي المدنية الحقيقية بما ينيلها السعادتين وينبطها عليه أهل الخافقين.