والعباسية قال فيها: كان الأمويون شديدي الحذر من آل علي كما ذكرنا وكان هؤلاء بعد نكبتهم في خلافة يزيد قليلي الجرأة على الظهور لشدة العمال عليهم ومراقبتهم لحركاتهم وسكناتهم ولأن الخلفاء من بني أمية كانوا مع شدة حذرهم منهم يراعون مكانتهم ويحسنون إليهم فلم ينزع أحد منهم إلى الخروج عليهم لضعفهم إلا زيد بن علي فقد خرج في خلافة هشام فقتل في الكوفة وقتل ابنه يحيى في خراسان أما تميم أبي هاشم فقد كان بأمر سليمان بن عبد الملك لأنه خاف جانبه لما رأى فيه من النجابة والذكاء.
وربما كان هناك سبب آخر لضعف آل علي من بني فاطمة وهو أن الذين بقوا منهم أحياء بعد نكبتهم في كربلاء كانوا أطفالاً لا يصلحون لقيادة الناس فالتف الشيعة حول محمد بن علي المعروف بابن الحنفية من غير ولد فاطمة وهكذا ساقوا الإمامة في بنيه من بعده كما ساقها غيرهم إلى بني فاطمة أيضاً وانتقلت من ثم إلى أبي هاشم إلى بني العباس.
لا جرم أن سليمان بن عبد الملك جنى على دولته بقتل أبي هاشم لأن آل علي كانوا لشدة ما عانوا من المراقبة والاضطهاد شديدي الحذر بطيئي الخطى في الوثوب على الخلافة الأموية والظهور لمنازعة الأمويين عليها فتلقى العهد بها آل العباس وهم بعيدون عن سوء الظن والمراقبة لم يعانوا مشاق الدعوة ولم يذوقوا طعم الاضطهاد فيخافون الوقوع فيه: ولذا ما لبث أن عهد إلى محمد بن علي بالأمر حتى نهضوا بأعباء الدعوة بجرأة عظيمة وكان لابراهيم بعد موت أخيه محمد ما كان مع أبي مسلم بتفويض أمر الزعامة إليه وقيام هذا بث الدعوة أحسن قيام حتى استفحل أمرها وظهرت على خصومها.
أحس الأمويون بهذا الخطر السريع فبادروا ابراهيم الإمام بالقتل فنهض أبو العباس السفاح بعد قتل أخيه ابراهيم وعاجل الأمويين بالوثوب عليهم قبل أن يدب الفشل في أهله وشيعته منتهز الفرصة وقوع الشقاق بين الأخوة وأبناء الأعمام من آل مروان وتلظى المملكة الأموية بنار الفتن وظفر بما أراد وقضى على دولة الأمويين في المشرق فذهبت كأن لم تكن بالأمس.
على أن ظفر العباسيين على هذا الوجه وبهذه السرعة له بواعث وأسباب أخرى كاختلال نظام الدولة وغيره أرى أن ألم بها على قدر ما يمكنني من الاختصار.
تعلمون أن الدولة تموت برجل وتحيا بآخر وأن الرجال في الدول قليل والدولة الأموية لما