فقدت رجلها فقدت جانباً عظيماً من قوتها وأعني بأولئك الرجال الرجال المخلصين الذين يخدمون الدولة بمنتهى الصداقة بقطع النظر عما ينسب إلى أفراد منهم من القسوة فيتهمونهم من أجل ذلك بالظلم إذ الرجال يصطبغون بصبغة الدولة ويتشكلون بشكلها والدولة الأموية لما كانت دولة مطلقة لزم أن يسير عمالها على سننها.
من رجال الدولة الأموية المخلصين، موسى بن نصير، والحجاج بن يوسف، وخالد بن عبد الله القسرى، ويزيد بن المهلب، وقتيبة بن مسلم وإضرابهم ومن خطاء الخلفاء الأمويين أنهم لم ينصفوا أمثال هؤلاء الرجال فأحرجوا من أحرجوه منهم حتى أخرجوه فقتلوه كخالد بن عبد الله وقتيبة بن مسلم ويزيد من المهلب الذين ذهبوا ضحايا سوء التفاهم، وموسى بن نصير الذي زج به في السجن في نظير فتحه الأندلس ومات أقبح ميتة ففقدت الدولة بفقد هؤلاء الرجال وأمثالهم جانباً لا يقدر من قوتها وأخذت تنحط من ثم هيبتها أما الحجاج فموته في الحقيقة مبدأ افول نجم الدولة الأموية لأنه كان يدها التي بها تضرب وعينها التي بها تبصر فإنه بعد أن أخمد لهم فتنة ابن الزبير كان والياً على الكوفة واليه ولاية خراسان وكلا المكانين عش الفتنة ومنبع الدعوة الأمامية ومع هذا فقط ضبط البلاد وأرهب ببطشه المنازعين للدولة والنازعين إلى الشغب، وأحسن في انتقاء العمال والقواد فامتد ملك الأمويين على عهده إلى كابول من بلاد الأفغان شرقاً والتركستان الصينية شمالاً ولو وجد بعده من يخلص من الولاة للدولة إخلاصه ويكون في مثل حزمه وعزمه لطال عمر الدولة الأموية بلا ريب.
ولعل نوابغ الرجال يكثرون في مبدأ نشوء الدولة وإن كانت هذه النظرية تحتاج إلى تمحيص.
ومما ساعد أيضاً على اختلال نظام الدولة الأموية تباعد أطراف المملكة بما صار إليهم من الفتح إلى عهد هشام بن عبد الملك إذ اتسعت دائرة ملكهم إلى ما لم تبلغه قبلهم غير دولة الرومان.
فما بين النهرين المعروف بالجزيرة وإيران وقسم من الأفغان والتركستان والتبت والقوقاس وأرمينيا وشبه جزيرة العرب وسورية ومصر والمغرب والأندلس كل هذه الممالك دخلت في حوزتهم وأصبحت خاضعة لسلطانهم، وضبط مثل هذا الملك المترامي الأطراف مع