للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صعوبة المسالك والمواصلات لذلك العهد متعذر جداً ولاسيما على أمة حديثة عهد في سياسة الأمم، ولذا فقد كانت الفتنة في طرف من أطراف المملكة بين الجنود والأمراء المتنازعين على الولاية وتنتهي بقتل وال وقيام غيره وربما انتهت بغلبة المشاغب أو المتنازع وضم البلاد إلى حوزته واستقلاله بالولاية عليها دونه وفصلها عن جسم الدولة والخليفة لا يعلم ذلك أو لا تصل قدرته إلى إخماد نار الفتنة في تلك البلاد النائية.

مثاله ما وقع في المغرب في خلافة الوليد بن يزيد سنة سبع وعشرين ومائة إذ تنازع عبد الرحمن بن حبيب من ولد عقبة بن نافع الفهري فاتح إفريقيا مع حنظلة بن صفوان وإلى إفريقيا فكانت الغلبة للأول واستأثر بالسلطة على البلاد وبقيت إفريقيا مستقلة عن الخلافة الأموية حتى قيام الدولة العباسية.

ومثل هذا وقع في الأندلس وفي بعض الأطراف السحيقة ولا يخفى ما في هذا من الوهن والخطر على المملكة.

ثم إن من الامور الثابتة في الاجتماع أن الدول الحربية الفاتحة لا تزال في أفق مجدها ما دامت على جانب الخشونة وما دام الراعي والراعية مترفعين عن الانغماس في الترف والاستغراق في ملاذ الحضارة، وقد عرفنا هذا في كثير من الدول البائدة كدولة اليونان وخلفاء داراً والاسكندر (أي البطالسة) والرومان حتى لقد قال مونتسكيو في تاريخه أسباب صعود الرومان وهبوطهم: إن دخول الرومانيين إلى الشام كان مبدأ ضعفهم بسبب ما كان متسلطاً على أهلها وملوكها من الرخاوة والترف.

والدولة الأموية إنما هلكت في نفس تلك البيئة التي هلك بها الرومان من قبل وبعد أن حافظت على خشونتها الأولى إلى خلافة هشام بدأت في خلافة الوليد بن يزيد المعروف بالتهتك تنحط عن خشونتها التي عرفت بها وأخذ الخلفاء من ثم يميلون إلى الترف والراحة والاستغراق في الملاذ تبعاً لأحوال البيئة التي نشأوا فيها وهذا بالضرورة كان من الأسباب التي عجلت على دولتهم يضاف إليه انقسام العرب في خراسان التي هي منبع الدعوة العلوية والعباسية إلى مضرية ويمانية وتنازع رؤسائهم على الولاية في إبان استفحال الدعوة.

مثاله ما وقع بين الحارث بن سريج والكرماني وبين هذا وقحطبة وبينهما وبين نصر ابن