للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتلقف بدون عناء معارف غريبة في تنوعها فإذا كلم غيره كلمة يدهش سامعه من الأمور التي يعرفها ويتساءل كيف تعلمها ولم يتعلم ذلك إلا في كتاب وقع إليه عرضاً فتصفحه مأخوذاً بما حواه واعياً ما أهمه من موضوعاته والقارئ في قراءته لا يتلقف حوادث بل أفكاراً فتكون له صلة فكرية مع أرباب العقول السامية ويسير على مناحيهم ما وسعته الحال بحيث يحاول إدراك كل ما يمر به فإن كل ما يمكن أن يعمل لتربية ذوق الطفل وتعويده المطالعة يساعد كل المساعدة على تقدمه العقلي ومن اقتصر على كتب الدراسة أقفر عقله وافتقر ذهنه.

وكما أن تحصيل المعارف ضروري فمن اللازم أن يكون للمرء ذاكرة جيدة فمن يتعلم سريعاً وجيداً يعد ولا جرم من أهل السعادة وإن الرأي الشائع بأن جودة الذاكرة وجودة الذكاء لا يتفقان لأحد هو من الآراء التي لا سند لها يرجع فيه إلى البحث الأكيد لأن معظم نبغاء البشر كانت ذاكرتهم نادرة فإذا كان في المكنة تحسين الذاكرة بتمرينها فالواجب أن لا يقصر فيه على أن في الذاكرة شيئاً لا يتيسر ترقيته بالتمرين وأعني به قابلية الاستظهار وإذا صح بأنه من الممكن تنميتها فلا مانع من إعطائهم دروساً يستظهرونها ويسمعونها على أننا لا نرى التلامذة بعد دراسة سنين يستسهلون التعلم أكثر من يوم بداءتهم فإن حاسة التذكر بالأشياء هي من الاستعدادات الفطرية تولد مع المرء وتنمو بسرعة فائقة وتبلغ غايتها في سن الثانية عشرة ثم تنحط كلما تقدم المرء في السن فما النفع يا ترى من تمرين الذاكرة؟ إن بتمرينها يحمل إلى عقل الطفل معلومات مقررة وتذكارات بنصها يحتاج إليها ثم تنمي فيه حاسة الانتباه وهو جماع الربح الذي يستخرج منه فتمرين الذاكرة هو أول جهاد عقلي وأول عمل ذهني يطلب من الطفل فهو يحثه ويحمله على أن يحصر أفكاره في موضوع معين وهذا يشبه كل الشبه ما ينبغي له بعد من إعمال الفكر متى طلب منه أن يفكر وحده مختاراً وقد يتعذر عليه الافتكار اختياراً بدون تمرين عقلي حازه بتمرين ذاكرته، فتسميع التلميذ ما حفظ في صفه هو في محله فبالتمرين تقوى الذاكرة، والغاية أن نجعل من الولد إنساناً يفكر لا ببغاء يتكلم، والمعرفة لا تغذي العقل إلى على شرط أن تتجانس أي أن تتحول ويستخدمها العقل في أساليب جديدة عقلية وإن من خواص تذكر النصوص أن تنقل إلينا الأفكار متوسعاً فيها في صورة مقررة ومتى تأملنا من جديد في