للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمور التي استظهرناها لا يسعنا إلا أن نكرر كلمة كلمة العبارة التي حفظناها فتدخل في تضاعيف فكرنا من تلقاء ذاتها كأنها استشهاد بسيط ليست ذات قيمة عقلية ومتى امتلأ رأسنا من هذه الصور والعبارات التامة الصياغة هل نصوغ نحن أكثر منها؟ فإن ما يقتضي لنا لتأليف بعض الأفكار الخاصة هو أن نحيط علماً بالمسائل في ذاتها وأن نقتبس ما فيها من الفكر بقطع النظر عن حرفيتها، ولا يتأتى إلا نقل النص ولكن إذا كان للمرء أمور يعرفها يزيد عليها أموراً حديثة فإنا إذا حفظنا فكراً ونسينا العبارة التي عبرت عنه نبدأ من تلك الحال في الإبداع بالفكر.

فالفكر مرن للغاية وهو العقل الفعال له في ذاته قوة التمدد تهيئ له سبيل التوسع إلى ما وراء الغاية وفي صور مختلفة فإذا انتقل من عقل إلى آخر يصبح كأنه فكر آخر جديد ويكون كأنه ملك قائله وهو أبو عذره ولا يعبر عنه بأسلوب واحد، أما العبارة التي تستظهر فهي زهرة من مجموع أعشاب يابسة جافة متمددة والفكر الذي يبرز من الذهن كالبذرة التي تنمو ويكون منها زهرات حية فالواجب إذاً تقوية الطفل على حفظ الأشياء التي يكلمونه عنها أكثر من الأسلوب الذي تعبر به، يعلمونه المعاني أكثر من الألفاظ وهذا ما يجرون عليه في بعض الدروس مثل درس التاريخ مثلاً فإنه مطلب من مطالب الذاكرة ولكنه يتطلب ذكرى الحوادث لا الصور التي عبر بها عنها، وفي هذا المعنى يليق توجيه الذاكرة وتربيتها ومن أجمل التمارين أن يقرأ الطفل العبارة طويلة كانت أو قصيرة بحسب تقدمه العقلي وأن يسأل بعد ذلك عما تعلمه وبهذا يتأكد فيما إذا قد فهم المعنى لأول نظر وأنه انتبه إلى الأفكار الرئيسة وأنه حفظها متسلسلة ويبين له على هذا الوجه ما هو التعلم بفهم وذلك بدرسه مفكرات عقلية في موضوع يتلوه الإنسان وبهذا ترقى في التلميذ جودة الذاكرة التي لا تكتفي بجمع المسائل بل تميز بين ما يمكن أن ينفعها وتختار أجودها وتطرح العرض منها وتبقي على الجوهر، يجب أن يصل الفتى إلى أن يطالع كتاباً برمته ويستظهر منه الضروري مما يحوي.

ومما يحسن أيضاً تمرين الطفل بالأسئلة المتوالية على أن يغترف في الحال من ذهنه ما هو في حاجة ماسة إلى ذكره، ولا يكفي أن يكون العلم مكنوناً في ذهنه كالكتب المركونة في صندوق بل ينبغي أن يكون كل حين تحت الطلب وينتفع بها ويعثر عليها في الوقت