للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يختار بذاته ما يهتم به، ضع أمام عينيه صوراً ورسوماً ولوحات واعمل على أن تكون كتب درسه طافحة بالرسوم وهكذا إذا تزود بصور شتى مصنوعة وتصورات وتذكارات يستطيع أن يعمل بذاته ويؤلف من عنده، أما نحن فلا يعنينا أمر خيالاته فهو حر فيها وهي من خصوصاته فإنا نراه إذا ترك وشأنه ينسى العالم الحقيقي فيجعل له من ذاته عالماً يجول فيه خياله ويرى مدهوشاً في مضيق الصور الباطنية، فتصوراته مهما بلغت درجة غرابتها ومهما كانت طفلية فهذا ليس من شأننا معه.

بيد أنه لا يكفي المخيلة أن تعمل بل الواجب أيضاً أن تتعلم على العمل وهنا تبدأ مهمة المربي إذ يقضى عليه أن يحول هذه الحركة في الفكر إلى أنحاءٍ تزيد في ذكائها وبعد ذلك تدعو الضرورة إلى تمرين الذهن على أسلوب حسن فهو جزء من التربية التامة ومن الخطر أن لا يفكر فيه، وقد رأى بعض أرباب الأفكار القائلين بتلقين المحسات (المحسوسات) بأن الأنسب تدريج عقل الطفل على النظر في الحوادث المقررة المقيسة الحقيقية أي تربيته تربية علمية صرفة وإلا فتضعف قواه المفكرة لقلة المران ويتكون عقله ناقصاً أو أن يعمل بنفسه ويضيع في الخيالات الغربية لقلة الملاحظة، فالأحرى أشغال الذهن أكثر من كل شيء، ولا سبيل إلى التأثير في الذهن إلا بالكلام والمطالعة ومتى قرئت للطفل مثلاً قصة جميلة تأخذ في الحقيقة بمجامع قلبه ويستغويه وتضطره إلى تأليف بعض الصور.

وينبغي للمربي أن يلاحظ فيما إذا كان الطفل الذي يعلمه خاضعاً لما يحببه إلى نفسه ولا يعنى بما يلقيه عليه، ينبغي أن يحقق نظره منه المشهد الذي تقصه عليه فأنت لا تعطيه في الحقيقة إلا بعض الدلائل وبها يقضى عليه أن يكمل الصورة بأجمعها وبهذا يتهيأ أمامنا التمرين الأول الذي نركبه أو يعدنا إلى التركيب وهو يتطلب من الفكر شيئاً من البديهة والإرادة، إذا كانت المطالعة في موضوع يستدعي التصور والتفكر فيكون فيه تنشيط الخيال وتوجيهه نحو وجهة معينة حرة وبفضل الاتجاه الذي يوليه للعقل يدرك صوراً أجمل وأكثر تنظيماً مما يستطيع أن يخترعه بذاته وبفضل الحرية التي يطلقها له تكون مهمته محببة إلى النفس خفيفة على الطبع.

هذا هو الربح الذي تستخرجه المخيلة من التعليم الأدبي ومما لا يخلو من الفائدة أن نبين