كيف يتأتى الانتفاع في هذا المعنى بالتعاليم العلمية التي ترمي إلى تحصيل المعارف أكثر مما تقصد إلى تهذيب العقل وهذه التعاليم تشغل المخيلة ولكن لا مباشرة، فكل تعليم وصفي أو نقلي فيه بحث عن المجردات يضطر المرء إلى أن يتمثله، هكذا الحال في العلوم الطبيعية والجغرافية الوصفية والتاريخ، فقد أدرك المعلمون أن هذه التعاليم يجب أن تعرض أولاً في صورة مجردة بأن ترسم ما أمكن أمام عيون الطفل الأمور التي يكلمونه عنها أو يصورونها له للوصول بعد إلى المجردات والعموميات، فإن قصة تاريخية يمكن أن تؤثر في المخيلة نفس التأثير الذي تؤثره رواية فاجعة أو قصة عادية إذا كانت مؤلفة بخيال واسع.
وبعد ذلك تأتي التمارين المؤلفة تأليفاً خاصاً أي التي يحاول التلميذ الاختراع فيها، إنا نريد أعداد مخيلات عامة مستعدة للتوليد لا أن نكتفي بأن نعيش أبداً من رأس مال الغير فالواجب إذاً تمرين الطفل على التأليف بنفسه، ويجب أن يعنى بأن تكون هذه التمرينات بالطبع متدرجة في الصعوبات مبتدئة بشرح مادة تعطى له إلى أن تبلغ حرية الاختراع، ومما ينفع بيان مزية هذه التمرينات في التأليف من حيث التربية فقد أغرق من قالوا بإبطال الطريقة القديمة في التأليف واليوم اقتصروا من التمرين على التأليف على القدر الجزئي وقد ظهر من مناقشات حديثة أن بعض المربين شرعوا يدهشون من هذا القصور فقد كان من معايب الطريقة القديمة أنها تقود التلميذ خاصة إلى التوليد الأدبي ومن حسنها أنها تترك مجالاً واسعاً للتمرينات التي يستطيع المرء بها أن يبرهن على مقدرته العقلية فهي من ثم محرض قوي نافع للعقل وبها يجب علينا أن نفكر فما أحرانا أن نغير وجهة الدروس لنجعل التلامذة أقل عناية بالأدبيات منهم بالعلميات على أن لا نضيق نطاق التمرين العقلي والتأليف والاختراع.
تجب العناية بالرسم لما فيه من المزايا في التربية فالرسم إذا أدركت حقيقته ووجهت وجهته نحو التربية العقلية يساعد كل المساعدة على ترقية المخيلة فهو يعلمنا النظر إلى الأشياء بذكاء ويقوي فينا حاسة التمثل والذاكرة المصورة والمخيلة المبدعة، وإذا أريد استخراج المنفعة الحقيقية المنتظرة من هذا التعليم فالواجب التمرين عليها، ولقد ضل من علماء التربية من جرد تعليم الرسم من كل نظر للطبيعة ومن التطبع على الاختراع فما