والملاجئ والبيمارستانات لليتامى والعميان والصم البكم والمعتوهين والبله. وبالجملة فإن المجتمع يؤوي في حجره الفقراء والمرضى والبله والضعفاء وكل من أعوزتهم القوة وخانتهم أسباب الجهاد. وقد صار من لم يعيشوا من قبل إلا أياماً في حالة حسنة يعيشون معها ويكبرون ويتبسطون في هذه البيئة الصناعية كالنبات يعيش في بيت من الزجاج بمأمن من الأحداث الجوية وربما ولدوا أولاداً ضعافاً مثلهم وإن كانوا على جانب من الذكاء ولكنهم حرموا من الحدة الطبيعية واحتاجوا للوسائط الصناعية لينجحوا وقد ورثوا الأجيال اللاحقة تلك المفسدات العضوية التي لا تؤهلهم لبلوغ الأجل الأوسط من الحياة البشرية أو تعدهم للأمراض المهلكة التي تشتد وطأتها على الجنس الإنساني وخصوصاً في مراكز السكان الكبرى.
وغير خاف أن نماء التجارة والصناعة في النصف الأخير من هذا القرن لم ينشأ عنه فساد هواء المدن بازدحام الناس في أنحائها وبما ينبعث من قاذوراتهم وعفنهم بل قد نتج منه شقاء الطبقة النازلة وانتشار الفجور والفساد والجرائم. وما من أحد يجهل أن السوقه في المدن الكبرى يحتالون أبداً للانتفاع من المفاسد البشرية وأماكن اللهو مثل محال القهوة والمجتمعات ودور اللعب والحانات والمواخير حيث ينفق بعضهم في اللعب ما اقتصده وآخرون ينفقونه في معاقرة المشروبات الروحية وفريق منهم يأتون في ناديهم المنكر وهم لا يتناهون. وأنت ترى بهذا أن حياة العيال المحبوبة آخذة بالضعف من حين إلى آخر كما أن التعلق بالبؤرة (المسكن) الأهلية آخذ بالفتور والانحلال. ولم تحدث محال القهوة والمجتمعات العامة إلا لضرورة اجتماعية ولتكون معهداً يختلف إليه التاجر والأديب في الأحايين وينتابه العامل في آونة عطلته. وقد استعيض عن الأخلاق والصلات البسيطة التي عهدت في الأزمان السالفة بغيرها من الأخلاق والعادات ولكنها نكدة مخالفة للطبيعة وأجدر بها أن تكون مكسوة بالطلاء اللامع من الظواهر من أن تكون لها حقيقة لا شائبة فيها.