وأوصل بعضهم نفوسها إلى خمسة وثلاثين. وتكثر النفوس في حمانا ورأس المتن وبرمانا وبيت مري وبعبدات وبيت شباب وبكفيا وبسكنتا وبعبدا والشوير وحصرون والشويفات وحدث الجبة وبعقلين ومجد المعوش وعالية ومعلقة الدامور وجزين وجبيل واهمج وتنورين وعمشيت وغزير وجونية وكفر ذبيان والبترون واهدن والهرمل وأميون وزغرتا وكوسبا وفي غير ذلك من القصبات التي يعد فيها النفوس بالألوف والمئات.
والقرى والمزارع متصلة خصوصاً في المحال التي ترتفع كثيراً عن سطح البحر ولا يتعذر العيش فيها في الشتاء لكثرة ثلجها وبردها وجليدها وأعاصيرها وما أشبه لبنان وقراه ومزارعه لا تقل عن تسعمائة وستة وخمسين قرية (١) إلا بقصر فخيم جميل واسع الأرجاء محفوف من أطرافه بالرياحين والأزاهير العطرية وغرفه الكثيرة تلك الدساكر والضياع لا يكاد المتجول يمل من مقصورة حتى ينتقل إلى أخرى وما أسرع وصوله إليها من تلك الطرق المعبَّدة وهذا القصر مزدانة أفنيته وأروقته بأقصى ما تخص به يد الصانع من بدائع الزينة ويد المخلوق لم تقصر كثيراً في تعهده.
معنى لبنان الأبيض وهو اسم عبراني سمي به لتعمم قممه بالثلج في الشتاء والربيع وبعض الصيف. وقد ورد ذكره في الشعر القديم فقال النابغة الذبياتي:
حتى غدا مثل نصل السيف منصلتاً ... يقرو الأماعز من لبنان والأكما
وقال أحمد بن الحسين بن حيدرة المعروف بابن الخراساني الطرابلسي من المحدثين:
دعوني لقاً في الحرب أطفو وأرسب ... ولا تنسبوني فالقواضب تنسب
وإن جهلت جهال قومي فضائلي ... فقد عرفت فضلي معدُّ ويعرب
ولا تعتبوني إذ خرجت مغاضباً ... فمن بعض ما بي ساحل الشام يغضب
وكيف التذاذي ماَء دجلة معرقاً ... وأمواه لبنان ألذُّ وأعذب
فمالي وللأيام لا درَّ درُّها ... تشرّق بي طوراً وطوراً تغرّب
وأنشد المتنبي في مدح أبي هرون بن عبد العزيز الأوراجي في قصيدة:
بيني وبين أبي علي مثله ... شمُّ الجبال ومثلهن رجاءُ
وعقاب لبنان وكيف يقطعها ... وهو الشتاءُ وصيفهن شتاءُ