وقد كتب قائم مقام سروج من أعمال حلب منذ مدة في جريدة المقتبس يقول أن خمسين قرية في قضائه وحده محلولة وتباع كل واحدة منها بثلاثة آلاف قرش فلو اشتراها بعض أرباب الأموال من اللبنانيين وأنفقوا عليها النفقات التي ترقى زراعتها وغرسوا فيها الأشجار وأقاموا البيوت لما أتت ثلاثون سنة إلا وهذا القضاء وحده من أعمر البقاع السورية فما بالك بما في غيره من الأقضية والألوية والولايات العثمانية من الخيرات.
لا نوافق القائلين بالاغتناء بسرعة فإن ما يأتي بدون عناء كبير قد يذهب في الأكثر كما جاء. وإنا لنؤثر أن يوجه اللبنانيون ولا سيما في عهد الدستور السعيد وجوههم قل البلاد الداخلية من سورية والعراق والأناضول ففيها متسع لهم وفيها لهم مغانم كثيرة ولو صبروا على جنيها لكان لهم ولأبنائهم وأحفادهم منها مال خالد وملك لا يكاد يبلى.
وفي لبنان من الصناعات القديمة ما يرقى لو سعوا تحسينه كعمل الأقمشة والنجارة والحدادة (١) وغيرها وله مورد آخر للربح ينتفع منه الآن أكثر من سائر جبال سورية ونعني به موسم المصطافين فإن لبنان من سورية ومصر كسويسرا من أوربا وأميركا يقصده الكثيرون كل سنة التماساً للصحة والراحة فلو عني اللبناني أكثر مما يعنون براحة من ينزلون عليهم لأتاهم الصيف في كل سنة بما لا يقل عن مليون ليرة فقد حسب بعضهم عدد المصطافين في لبنان سنة ١٩٠٦ فكان خمسة عشر ألف نسمة أكثرهم من المصريين فلو فرضنا أن الواحد ينفق عشر ليرات لكان المبلغ لا يقل عن مئة وخمسين ألف ليرة فما الحال لو زاد هذا العدد ونحن نرى أن سويسرا وإيطاليا تربح كل منهما من موسم السياح كل سنة ما لا يقل عن خمسة عشر مليون ليرة وإذا زادت عناية حكومة لبنان وأهله بالمصطافين في قمم لبنان لا يعتم أن يجلب إليه أناساً من المصطافين من أهل أوربا نفسها خصوصاً إذا رأى السياح أن النفقة في الجبل أقل مما في جبال الألب وأنها لا تبلغ مع أجور النقل في البحر والبر والمبلغ الذي يصرفونه في بلاد الاصطياف.
وبعد فإننا لا نفتأ نكر القول بأن من الأنفع لأبن لبنان أن يوجه بعد الآن وجهته إلى الداخلية ليعتاش ويرتاش وأنه إذا استفاد المهاجرون منا إلى أميركا من حيث ارتقاؤهم في اقتباس بعض أصول التمدن في الملبس والمأكل والمسكن فإن الأنفع له ليوم أن يستعمر بلاده وهي