للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على حين أن غلات التوت لم تزد على تلك النسبة وذلك لقلة أيدي العاملين وارتفاع أسعار الحبوب وغيره من مقومات المعاش في البلاد ولأن المهاجر اللبناني الذي كان فلاحاً حراثاً إلى عشرين أو ثلاثين جداً من أجداده إذا هاجر وقضى في هجرته ثلاث سنين ثم آب بلاده تكبر نفسه فلا يعود يتنازل إل معاناة الزراعة بل يفضل أن يعيش كما يعيش تجار أميركا وأرباب الأملاك في بلادنا وهو لا يملك رأس مال يكفيه سنة واحدة إذا ظل عطلاً عن العمل.

في أمثال العامة أنا أمير وأنت أمير فمن يسوق الحمير حكمة لطيفة نافعة تصدق على اللبناني المهاجر فإذا أحب كل فرد من المهاجرين أن يقلد الأعيان في عيشه ورفاهيته فمن يبقى لتعهد التوت والزيتون وغرس الصنوبر والأرز والسنديان والزان وحفر الأقنية والأحواض وتمهيد الطرق ومعالجة الصناعات من حل الحرير وصنع الأقمشة المزركشة البسيطة وعمل الفرش والستور وأنواع الزينة.

ولقد قال الاقتصاديون أن جملة ما ساعد ألمانيا على عظمتها التجارية الصناعية العلمية أنك تجد في رجالها أنواع العاملين ولا يستنكف كل عامل من عمله بل ولا يريد أن يعرف إلا به فالألمان أشبه بجيش منظم فيهم الجندي كما فيهم الضابط الصغير والكبير والقائد العظيم وكل واحد منصرف إلى عمله لا تحدثه نفسه أن يقلد رفيقه أو يعتدي عليه بل يعمل في دائرته بما يستطيعه ويحسنه ما أمكنه الحال ولو جرى أهل بلادنا على هذا المثال لأصبحنا بعد جيل أمة راقية حقيقية ولما رأينا الصغير يشكو لأنه يريد تقليد الكبر وأسبابه لا تساعده.

نحن لا نجاري أولئك الذين يدعون أن لبنان كان خراباً لولا الهجرة لأمور أقلها أن البلاد السورية واسعة وأهل لبنان اليوم وقبل اليوم يستطيعون أن ينزلوا الأقاليم القليلة السكان المحتاجة إلى العناية ويستعمروها فإن فتشوا ذات اليمين وذات الشمال ورأوا طرابلس وعكا وحمص وبعلبك والبقاع ومرجعيون وصيداء تتاخم جبلهم وتحصرهم فيه فإن لهم من بلاد الكرك وحوران وبادية الشام وبلاد حلب مثلاً ما يكفي لإغناء مئات الألوف من الناس فلو نزلوا تلك البلاد الخاوية وعمروها بكدهم لأصبحت بعد سنين جنات زاهرة وأقلُّ ما في ذلك من منافع أن هذه البلاد منهم على أيام قليلة يستطيعون في استعمارها أن يقضوا معظم