للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قرطبة. كان شارلمان لأول أمره أمياً تعلم الكتابة البسيطة على كبر مثل محمد علي إلا أن تنشيط التجارة والصناعة والآداب كان مغروساً فيه بالفطرة فجعل قصره معهد المستنيرين والمتعلمين الذين يستعين بهم على نشر المعارف بما أنشأه من المدارس بإشارة الكوين المشهور أستاذه وأمين سره وباذر الجراثيم الأولى من المعارف في هذه الأرض الفرنسوية وبمساعيه أنشئت المدارس في اكس لاشبل عاصمة البلاد إذ ذاك وتور واورليان وليون واستنسخت الكتب الوافرة لينتفع بها الطلاب.

ومن العجيب أنه حدث لنهضة شارلمان ما حدث لنهضة محمد علي حذو القذة بالقذة وذلك أنه لما مضى لسبيله عادت تلك الحركة العقلية فركدت ريحها جملة واحدة لأن من خلفوه على سرير الإمبراطورية لم يكونوا على قدمه ولا رزقوا سعة عقله وصفاء طبعه ولأن الأعمال العظيمة في البلاد المنحطة قد تقوم بالفرد أكثر من قيامها بالأفراد وعلى العكس منها في البلاد الراقية. أتت خمسون سنة على فرنسا بعد وفاة شارلمان مات في خلالها التعليم أو كاد ولم تدب روح التجديد فيها إلا بانتباه عقول الأمة وعلى يد أناس من أبنائها كما قامت مصر منذ نح عشر سنين تجدد حياة آدابها بيدها بعد محمد علي بنحو خمسين سنة متكلة في مهمتها على نفسها لا على الحكومة وبذلك جاز لنا الاستنباط بأن كل اصلاح يقوم بالأمة في هذا الوجود يكون الأمل في بقائه أكثر مما يقوم بيد الحكومة ولا سيما في الدول الإستبداية التي تجد فيها تمييزاً بين الأمة والحكومة. والحكومات قد تعرض لها عوارض تنسى معها الترغيب في العلم ومنها إلى اليوم من يفضل الجهل على العلم. ولهذه المسألة نظائر كثيرة في تاريخ الأمة العربية فقد رأيناها تسعد وترقى في برهة قليلة على يد فرد عظيم عاقل من ملوكها وشاهدناها تشقى وتنحط بفرد آخر لا يرجع إلى عقل ولا إلى نقل.

كان الأدب العربي قبل دور النهضة الأخيرة عبارة عن سجع كسجع الكهان طول بلا طول ولا طائل وجمل باردة سمجة وشعر ركيك أكثره في الأماديح والأهاجي وإن ارتقى الشاعر انفلق لسانه في وصف الخد والخال وذات النطاق والخلخال من ربات الحجال أو الذكران من الرجال. وما أظنكم أعز الله بكم دولة الأدب إلا قد وقع لكم شيءٌ كثير من أمثال هذه الركاكات والسخافات فضربتم بها عرض الحائط وحمدتم الله على أن خلقكم في زمن قام