للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن الأتراك والفرس لما شرعوا يعلمون العلوم في البلاد العثمانية والإيرانية باللغتين التركية والفارسية لم يجدوا أمامهم كنزاً حاضراً ينتفع به في الحال مثل تلك المعربات المصرية الحديثة في الهندسة والطب والعلوم والاجتماع والفلسفة والتاريخ والجغرافية وغيرها فنقلوا المصطلحات العربية برمتها وأدمجوها في تضاعيف لغتهم.

كان الطلبة الذين أرسلهم محمد علي إلى التخرج في أوربا وتلامذتهم وتلامذة تلامذتهم مدة نصف قرن حملة لواء العلم لا في القطر المصري فقط بل في البلد العربية كافة وأصبحت مصر ببيض أياديهم من هذه البلاد بمثابة باريز من الممالك اللاتينية تفيض عليها النور وتهز أعصابها للارتقاء حتى بلغت الكتب التي ترجمت في فنون مختلفة من الإفرنجة زهاء ألفي مجلد. والأثر الأكبر فيها للشيخ رفاعة الطهطاوي شيخ من ألف وترجم في عهده بما خلفه من قلمه أو عرب في قلم الترجمة برئاسته وما بثه من المبادئ في مدرسة اللغات ومجلته روضة المدارس. وكلها أعمال مهمة تدل على نفس طويل وفضل جزيل. خل عنك تلك الجرائد والمجلات التي صدرت في تلك الأثناء ومنها جريدة وادي النيل لأبي مسعود ومجلة الطب لكلوت بك.

ورب معترض يقول أي علاقة لتعلم العلوم الجديدة ونقلها إلى العربية بحياة اللغة التي يراد منها آدابها المنثورة والمنظومة ليس إلا. والجواب أنه لا أدب لمن خلت لغته من أمثال هذه المعارف. فكما أن للعلوم ارتباطاً كلياً بعضها ببعض هكذا خلت لغته من أمثال هذه المعارف. فكما أن للعلوم ارتباطاً كلياً بعضها ببعض هكذا اللغة دخل عظيم في سلاسة آدابها بما تأخذه عن غيرها بل إن لغة مهما حوت من أنواع البديع والمعاني والبيان لا تعد من اللغات الحية إن لم تكن لغة علم قبل كل شيء.

وهنا مسألة مهمة لا أحب أن أمر بها وأنا منطلق لأن لها علاقة كبرى بموضوع النهضة الأدبية وهي أنا إذا تدبرنا تاريخ محمد علي وحسناته على العلوم والمعارف لا نلبث أن نشبهه من ملوك الإفرنج بالإمبراطور شارلمان ملك فرنسا وجرمانيا الغربية. وشارلمان كما لا يعزب عن علمكم كان من أعظم ملوك دهره وله صلة بملوك المسلمين وهو الذي أنفذ إليه الرشيد العباسي رسولاً من قبله سنة ١٨٠١م يحمل إليه هدايا فاخرة ومفاتيح القبر المقدس وهذا الذي كان يحمي الملتجئين إليه من أمراء المسلمين الهاربين من الخلفاء في