للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليازجي وأسرته وغيرهم. فهؤلاء كلهم توفروا على التعليم وتخرج بهم مئات من الطلبة الذين انتشروا بعد في أقطار الشام ومصر وأميركا وكان منهم الكتاب والصحافيون والمحامون والخطباء. ولم تحرم الأستانة - والعواصم مرزوقة منذ خلقها الله_من نزول عالم بالعربية فيها اتخذها مباءة علمه ومثابة درسه وبحثه وأعني به أحمد فارس الشدياق الذي اقترح عليَّ صديقي سيد أفندي كامل من رجال الجامعة المصرية أن أتوسع في الكلام عليه.

أصل هذا الرجل من لبنان من أسرة مسيحية خرج من بلاده مغاضباً فقضى زمناً طويلاً في مصر وتونس ومالطة وفرنسا وإنكلترا وتعلم خلال ذلك الإنكليزية والإفرنسية ثم دان بالإسلام وألف بعض الكتب ومنها اللفيف في كل معنى طريف طبع في مالطة سنة ١٨٣٩ ومن كتب في أوربا كتاب الساق على الساق في ما هو الفارياق أو أيام وشهور وأعوام في عجم العرب والأعجام طبعه في هذه العاصمة سنة ١٢٧٠هـ. وضمنه ترجمة حياته وشؤوناً وشجوناً على أسلوب يجمع بين الجد والفكاهة تقدر أن تعده من الإنشاء المعروف عند الإفرنج بالامورستيك (الجد في الهزل) أو الرياليست (الحقيقي) الذي حدث في عهد فلوبر أو الناتوراليست (الطبيعي) الذي تم على يد زولا وانك لتدهش من قدرته فيه على التعبير ورشاقته في التصوير ومتانته في التحرير والتحبير فكأن اللغة التي كان من جملة محفوظات أحمد فارس فيها قاموس الفيروزابادي الذي ألف كتاباً مهماً في نقده سماه الجاسوس على القاموس - كانت نصب عينيه يأخذ منها كل ساعة ما يشاء ويستحضر في دقيقة ما يصعب الإتيان به في ساعة ويتقن ما شاء بيانه وتبيانه. ولفظ الفارياق مقتطع من أول اسمه فارس وآخر اسم أسرته الشدياق. وقد حمل في كتابه على رؤساء الدين حملة منكرة لأن بعضهم قتلوا أخاه ظلماً وتعصباً جعلوه في بناء لهم وبنوا فوقه لأنه دان بالمذهب البرتستانتي (١).

هبط أحمد فارس مدينة الأستانة بعد أن خبر حال أوربا خبرة زائدة وأنشأ جريدة الجوائب التي طار صيتها في الأفاق ورزق الحظوة بعلمه فكان ملوك الأطراف يهادونه ويمنحونه المنائح وممن كان يساعده خديوي مصر وباي تونس وملك باهوبال في الهند حسن صديق خان الذي طبعت له مطبعة الجوائب معظم تآليفه العربية وكان هذا الملك أعلم الملوك