المتأخرين بل أشبه بأبي الفداء صاحب حماه في جمعه حكم الناس إلى معالجة التأليف وهو بلا نزاع نابغة العجم والعرب في فهم أسرار الكتاب والسنة.
ولقد كانت جريدة الجوائب مثال الإنشاء العربي البحت سارت جميع صحفنا التي أسست بعدها على نسقها وقلَّ أن نشأت جريدة في صحتها وديباجتها العربية اللهم إلا أن تكون جريدة العروة الوثقى للشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومصباح الشرق لإبراهيم بك المويلحي والبرهان للشيخ حمزة فتح الله وذلك لأن جريدته كانت كهاته أسبوعية وله فيها مساعدون في الأقطار العربية كان يهاديهم ويهادي علماء عصره حتى كثر أحبابه من العلماء في شمالي افريقية وغربي آسيا ووسطها وهو الذي يتولى النظر في كل ما ينشر فينمقه ويزوقه وناهيك بكلام تصقله الأنامل الفارسية. فأحمد فارس هذا لو أنصفنا هو واضع أساس الصحافة العربية وباعث روح الحياة في آدابنا بما خلفه من آثاره ومن أراد أن يطلع على شيء من كتاباته في جوائبه فعليه بالرجوع إلى كنز الرغائب في منتخبات الجوائب وهو مطبوع متداول وإن أحب الإطلاع على الجوائب برمتها في حجمها ووضعها فليرجع إليها في خزائن الكتب في أوربا ومصر والأستانة.
ولم يقف عمل أحمد فارس عند حدود نشر جوائبه وكتبه ومنها كتاب سر الليال ورحلة له إلى أوربا جدة محضة وكتاب نحو اللغة الإنكليزية وديوان شعره وغيرها بل نشر طائفة من كتب الأدب واللغة والشعر ككتب الثعالبي والتوحيدي والطغرائي والبديع وغيرهم من أئمة الأدب نشرها على أحسن أسلوب راق في طول البلاد عرضها بأثمان بخسة فعمت بها الفائدة وأنشأ طلاب الآداب يتحدونها في أسلوبها. وما برحت مطبوعات الجوائب إلى اليوم يتنافس المتنافسون ويدخرها غلاة الكتب لينتفع بها الأحفاد والبنون على ممر الدهور والقرون.
ابتلى أحمد فارس بأناس حسدوه وأي عالم خلا من حساد وطفقوا يشنعون عليه ويزيفون شعره ونثره وينتقدون جريدته وكتبه ولكن تلك المناقشات اللغوية والأدبية بينه وبينهم بل بين حزبه وحزبهم لم تزد فارسنا إلا جرأة على الجري في مضماره وقبولاً بين العالمين بمصنفاته وآثاره فكان بنقده بعض كتاب اللغة العربية أشبه بسانت بوف في نقده كتاب عصره من الفرنسويين فاستفاد أرباب الأقلام من تلك المحاورات كما استفادوا بعد مما دار