للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين التقدم والمقتطف والبيان والضياء والمشرق وبذلك أخذ من يعانون صناعة القلم يتأنون قليلاً فيما يكتبونه وأخذت تخف أغلاط الكاتبين والشاعرين وتسلم عبارة التأليف كلما نقل الناقلون عن اللغات الإفرنجية ونحا المؤلفون مناحي قدماء الكتاب في ترك التكلف والتعسف حتى صح لنا أن نقول اليوم أن أسلوب الكتابة العربية لا ينقص عن اللغات الإفرنجية الراقية بإيجازه واندماجه وتقطيعه وفيه بلاغة قدماء المنشئين وسلاسة المعاصرين وأفكارهم.

نعم عادت للغة العربية ولا سيما في الثلاثين سنة الأخيرة نضرتها الأولى في القرن الرابع والخامس والسادس للهجرة وخلصنا من ذاك السجع المتكلف الذي أتانا به العماد الكاتب الأصفهاني من فارس - وفارس مورد بدع كثيرة في الإسلام منها الزندقة والزنادقة ثم الباطنية ومنها الموسيقى والعود المطرب_ونقله إلى العربية فأجاد في أكثره إلا أن من جاؤا بعده قد أفسدوا علينا لغتنا لأنهم لم يتقنوه.

وإني لا أزال أذكر ما كنت أكثر من مطالعته واستظهاره أيام ولوعي بالأدب من مقامات الحريري ورسائل الخوارزمي ورسائل الصابي وتاريخ اليميني للعتبي ومقامات الزمخشري ومقامات الأصفهاني وقلائد العقيان وذيله مطمح الأنفس للفتح بن خاقان وخطب أبن نباته وفاكهة الخلفاء لأبن عربشاه وخزانة الأدب لأبن حجة والريحانة للخفاجي وغيرها من الكتب التي كنت أطرب لتلاوتها ولا أكاد أفارقها في خلوتي وجلوتي. ولما كتب لي الإطلاع على الآداب الفرنسوية والتركية وأنشأت أبحث عن كتب كتبت بلا تكلف وتعمل ككتابات الجاحظ وابن المقفع وعبد الحميد الكاتب وسهل بن هرون وأبي حيان التوحيدي وابن مسكويه والراغب الأصفهاني والغزالي والماوردي والطبري والمسعودي والصاحب وأبن العميد وأبن خلدون وأبن الخطيب وغيرهم من جهابذة المنشئين غدوت أعجب من نفسي كيف أضاعت وقتها في تلقف تلك الأسفار المسجعة وفي اللغة مثل نهج البلاغة والبيان والتبيين والذريعة والإحياء وغيرها مما لا يتسع المجال لتعداده وهو في الحقيقة ونفس الأمر مادة أدب كما هو مادة عليم لا تبلى على الدهر جدتها ولا تخلق ديباجتها كما كنت أعجب من إقبالي أيام الطلب على تلاوة شعر أبن النبيه وأبن معتوق والصفي الحلي وأبن منجك وأبن مليك والجندي من شعراء المتأخرين وعند العرب من أهل هذا الشأن