دين كما هي عاصمة صناعة وعمل. وعلى جسر ليون مر الصليبيون في القرون الوسطى ذاهبين إلى المشرق لإنقاذ بيت المقدس من أيدي المسلمين. نعم ماذا نعدد من ليون وبدائع صنع الإنسان فيها وما ضمت من معاهد قديمة وحديثة ومشاهد بهيجة ويالله ما أعجب معرض نموذج الأنسجة الذي حوى أربعمائة ألف نموذج ليس لها نظير في العالم وعرضت على أنظار أهل البلاد والسائحين ينتفعون بالنظر إليها ويستدلون بها على تفنن يد الإنسان في كسوة الأبدان.
لئن حرمت ليون من ميناء بحرية لتصريف مصنوعاتها بسرعة فإن البخار البري عوض عليها هذا الحرمان فزاد في عظمتها التجارية ففي كل يوم يمر في محطات سككها الحديدية ١٤٠ قطاراً جائية ذاهبة من أنحاء شتى ولا سيما من الشمال إلى الجنوب. والمسافة بين باريز ومرسيليا ٨٥٠ كيلومتراً ليس فيها شبر واحد لا أثر للعمران فيه يقطعها القطار بالسير السريع في ١٤ ساعة. وليون على مقربة من نصف الطريق بين باريز عاصمة البلاد ومرسيليا ثغرها والحكومة اليوم شارعة بمد خط حديدي ثالث لتسيير القطارات لأن الخطين الموجودين لا يتأتى أن يجري عليهما في كل بضع دقائق أكثر من قطار واحد مخافة أن يحدث اصطدام بين القطارات وسيكلف الخط الجديد بين باريز ومرسيليا مئات الملايين من الفرنكات وكل ذلك حتى لا يتأخر راكب ولا بضاعة وتأخذ كل جهة حظها من العمران.
لم تقف ليون عند حد الأعمال الصناعية والتجارية والمالية بأن كانت هي التي أسست مصرف الكريدي ليونيه مثلاً من أعظم مصارف العالم. بل لها حظ كبير من النهضة العلمية وأثر راسخ في الحضارة الفرنسوية وناهيك بكليتها التي تحوي فروع العلم ولا سيما الطبيعي والحقوق والطب والتجارة يختلف إليها ٢٥٠٠ طالب منهم الأجانب وفيهم نحو خمسين مصرياً أكثرهم ويدرسون الحقوق وقليل منهم الطب وأقل في التجارة والمصريون حديث عهدهم بنزول ليون للتخرج في كليتها وقد كثر ورودهم عليها بعد أن ترك المسيو لامبر أحد أساتذة مدرسة الحقوق في القاهرة منصبه فعينته حكومته في كلية ليون أستاذاً فكان من أثر محبته للمصريين ومحبة المصريين له أن جذب عشرات منهم للتعلم في كليتها وهو يشرف عليهم إشراف الأب على أولاده. وكانت مصر تعتمد في تنشئة أولادها