السلام عليك باريز أجمل عواصم العالم وأغنى البلاد ببدائعها الطبيعية والصناعية وأجمعها لمرافق الراحة والرفاهية. لست أنت اليوم عاصمة مئة مليون من البشر أربعون في أرضك وستون في المستعمرات بل أنت بما فيك من المزايا عاصمة معظم الخافقين لأسباب هنائك وصفائك ونعيمك ونعائمك وتفردك من بين العواصم بسلامة الذوق وسلامة الإبداع ووفرة العلماء والباحثين والكاتبين والشاعرين والقصصيين. فكل شيء في باريز مبذول حتى لتعافه النفوس من أقصى ما يتصور الفكر من الفضيلة إلى آخر ما يجول في خاطر أو يحوم حوله خيال.
فباريز ولا مراء جنة أرضية جمع فيها موجدوها - استغفر الله_ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
باريز بعد الغروب
١٠
إن فاخرت باريز بمعارضها التي أقامتها في أوقات مختلفة لتلفت إليها الأنظار وتستفيد الفخار والنضار فإن لها كل ليلة معارض لا تختلف عن السابقة إلا في كون البقعة التي تقوم عليها هذه أوسع مجالاً وأكثر جمالاً.
يصرف الباريزيون أو معظمهم نهارهم في الاستعداد لليلهم وكثيرون لا يعملون إلا في الليل ويصرفون النهار في جمع قواهم وادخار أحسن ما عندهم لما بعد الشفق فهم لا يجعلون الليل لباسا والنهار معاشاً كما هي عادة معظم الأمم بل أن الحركة عندهم تبدأ قبيل الظهر بطيئة ولا تزال تنمو حتى تغيب الشمس وتطلع بدلها شموس وأقمار.
ترى المدينة في النهار عابسة مظلمة على كثرة جاداتها الكبرى وشوارعها المغروسة على جانبيها بالأشجار غالباً وطرقها وأزقتها وساحاتها العامة وفي هذه الأماكن تشهد مجالي الحسن والإحسان وما تفننت في إبداعه العوامل وتلطفت في روائه الأفكار والأنامل.
على تلك الأرصفة تناجي النفس رب النجوى قائلة اللهم هل خلقت باريز من معدن اللطف والظرف لتكون مثالاً من جنة أرضية فخصصت أهلها بالاستمتاع بنعمة الجمال حتى لكأنك شطرته شطرين شطر وقفته على الباريزيات وشطر وزعته على سائر بنات حواء.