غرائر ما حدثن يهديهن آنسة ... فما فوقه منهن غير غرائر
حديث لو أن العصم تدعى به أتت ... ودون يد الفحشاء حد البواتر
فتخير من الألفاظ أرجحها وزناً، وأجزلها معنى، وأليقها في مكانها، وليكن في صدر كتابك دليل واضح على مرادك وافتتاح كلامك برهان شاهد على مقصدك حيثما جريت فيه من فنون العلم ونزعت نحوه من مذاهب الخطب والبلاغات فإن ذلك أجزل لمعناك وأحسن لا تساق كلامك ولا تطيلن صدر كلامك إطالة تخرجه من حده، ولا تقصر به عن حقه، ولو صور اللفظ وكان له حد لوقفتك عليه غير أنهم في الجملة كرهوا أن يزيدوا سطور كتب الملوك على سطرين وهذه إشارة لا تعبر إلى عن الجملة من المقصود إليه لأن الأسطر غير محدودة.
واعلم أن أول ما ينبغي لك أن تصلح آلتك التي لا بد لك منها وأدواتك التي لا تتم صناعتك إلا بها وهي دواتك فابدأ بعمارتها وإصلاحها وتخير لها ليقة نقية من الشعر والودح لئلا يخرج على حرف قلمك ما يفسد كتابك ويشغلك بتنقيته وخذ من المداد الفارسي خمسة دراهم ومن الصمغ العربي درهماً وعفصاً مسحوقاً نصف درهم ورماد القرطاس المحرق درهمين ثم تسحقها وتغربلها وتجمعها ببياض البيض ثم بندقها واجعلها في الظل فإذا احتجت إليها أخذت منها مقدار حاجتك فكسرته وحشوت به دواتك وإذا نقعته في ماء السلق حتى ينحل ويذوب ويختمر ثم أمددت من مائه دواتك كان أجود وأنقى ثم اختر بعد ذلك من أنابيب القلم الذي يصلح لكتابة القراطيس أقله عقدة وأكثفه لحماً واجلبه قشراً واعدله استواءً وتجنب الأقلام الفارسية ما استطعت فإنها ما تصلح إلا للكواعد والرقوق.
واجعل لقلمك براية حادة فإن تعثر يد الكاتب وقت قطع القرطاس ناقص مروءته ومخل بظرفه وإن قدرت أن لا تقطع القرطاس إذا فرغت من كتابك إلا بخرطوم قلمك فافعل فإن ذلك أكمل لمروءتك وأبدع لظرفك وقطعك.
واستعمل لبري القلم سكيناً طواويسي مذلق الحد وميض الطرف فيكون ذلك عوناً لك على بري أقلامك فإن محل القلم من الكاتب محل الرمح من الفارس ولئن قيل كأنه الرمح الرديني فقد قال الكاتب كأنه القلم البحري، وتفقد الأنبوبة قبل بريكها لئلا تجعلها منكوسة