والحمد لله خالصاً والشكر لله واجباً، فإنها مواضع ينبغي للكاتب تفقدها فإنما يكون كاتباً إذا وضع كل معنى في موضعه وعلق كل لفظة على طبقتها من المعنى فلا يجعل أول ما ينبغي له أن يكتب في آخر كتابه في أوله ولا أوله في آخره فإني سمعت جعفر بن محمد الكاتب يقول: لا ينبغي للكاتب أن يكون كاتباً حتى لا يستطيع أحد أن يؤخر أول كتابه ولا يقدم آخره.
واعلم أنه لا يجوز في الرسائل ما أتى في آي القرآن من الإيصال والحذف ومخاطبة الخاص بالعام والعام بالخاص لأن الله سبحانه وتعالى إنما خاطب بالقرآن أقواماً فصحاء فهموا عنه جل ثناؤه أمره ونهيه ومراده والرسائل إنما يخاطب بها قوم دخلاء على اللغة لا علم لهم بلسان العرب وكذلك ينبغي للكاتب أن يتجنب اللفظ المشترك والمعنى الملتبس فإنه إن ذهب على مثل قوله تعالى واسأل القرية واسأل العير بل مكر الليل والنهار احتاج أن يبين بل مكركم بالليل والنهار ومثله في القرآن كثير.
ولا يجوز في الرسائل ما يجوز في الشعر لأن الشعر موضع اضطرار فاغتفروا فيه الإغراب وسوء النظم والتقديم والتأخير والإضمار في موضع الإظهار فمن الحذف قول الحطيئة من صنع سلّام يريد سليمان بن داود وكقول الآخر: والشيخ عثمان أبو عفان وكقول الآخر:
وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد علقت بثعلبة العلوق
أراد ابن سيار وكقول النابغة: ونسج سليم كل قضاء زائل يريد سليمان وكذلك ينبغي في الرسائل أن لا يصغر الاسم موضع التعظيم وإن كان ذلك جائزاً على مثل قولهم دويهية وجذيل وعريق، ومما لا يجوز في الرسائل كلمت إياك وأعني إياك وإساءة النظم في التأليف في الشعر كثير وتكون الكلمة بشعة حتى إذا وضعت وقرنت مع أخواتها حسن حالها وراقت كقول الحسن بن هاني:
ذو حضر أفلت من كد القبل والكد كلمة قلقة لاسيما في الرقيق والغزل والتشبيب غير أنها لما وقعت في موضعها حسنت كما أن اللفظة العذبة إذا لم توضع موضعها نفرت قال:
رأت عارضاً جونا فقامت غريرة ... بمسحاتها قبل الظلام تبادره
فأوقع الجلف الجافي هذه اللفظة غير موقعها وظلمها إذ جعلها في غير مكانها لأن المساحي