أن أكتب له قصة على ما أرى فكتبت له كتاباً يثبه أن يكون من مثله إلى القضاة فقرأها وقضى حاجته وعلم أنه لم يكتب واحدة منهما والكتاب إذا لم يكن بحاجة صاحبه كان أحد الأسباب المانعة والمعاني كلها ممتثلة والكلام مشبعاً ولكن سياسته صعبة وتأليفه شديد إلا على جهابذته وفرسانه أمراء الكلام يصرفونها كيف شاؤوا ولا يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه ويكون اللفظ الأسبق إلى الأسماع من معناه إلى القلوب.
الجاحظ: كان لفظه في وزن إشارته وطبعه في معناه في مطابقة معناه ذكر الحسن ابن وهب أحمد بن يوسف فقال ما كنت ألفظه آنق أم معناه أو معناه أجزل أم لفظه. والمعاني وإن كانت كامنة في الصدور فإنها مصورة فيها ومتصلة بها وهي كاللآليء المنظومة في أصدافها والنار المخبوءة في أحجارها فإن أظهرته من أكنانه وأصدافه تبين حسنه وإن قدحت النار من مكانها وأحجارها انتفعت بها وإلا حذق المستنبط وصواب حركات المستخرج وقصد إشارته وكلما كان الكلام أفصح والبيان أوضح كان أدل على حسن وجه العني الخفي بالروح الخفي واللفظ الظاهر بالجثمان الظاهر وإذا لم ينهض بالمعنى الشريف لفظ شريف جزل لم تكن العبارة واضحة ولا النظام متسقاً والدال على المعنى أربعة أصناف لفظ وإشارة وعقد وخط.
وذكر أرسطاطاليس خامساً وهي تسمى النصبة وهي الحالة الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف الأربعة الناطقة بغير لفظ والمشيرة إليه بغير يد وذلك ظاهر في خلق السموات والأرض وفي كل صامت وناطق وهي داخلة في جملة هذه المعاني الأربعة وخارجة منها بالحيلة.
ولكل واحدة من هذه الدلائل صورة مخالفة لصورة صاحبتها وحلية غير مشاكلة لحلية أختها غير أنها في الجملة كاشفة عن أعيان المعاني وأوضح هذه الدلائل صنفان منها وهما اللسان والقلم وكلاهما يترجمان ويدلان على القلب ويستميلان منه ويؤديان عنه ما لا تؤدي هذه الأصناف الباقية.
وأما اللسان فهي الآلة التي يخرج الإنسان بها من حد الاستبهام إلى حد الإنسانية ولذلك قال صاحب المنطق: حد الإنسان الحي الناطق وإنما يبين عن الإنسان اللسان وعن المودة العينان والله سبحانه رفع درجة اللسان فأنطقه من بين الجوارح بتوحيدة وما جعل الله من