ويقول ابن هبيرة في الإيضاح (إنما عني بالاجتهاد لما كان عليه الناس في الحال الأولى قبل استقرار مذاهب الأئمة الأربعة فالقاضي الآن وإن لم يكن من أهل الاجتهاد ولا تعب في طلب الأحاديث وانتقاد طريقها لكن عرف من لغة الناطق بالشريعة عليه الصلاة والسلام مالا يحتاج معه إلى شروط الاجتهاد وإنما عَلَى القاضي أن يقضي بما يأخذه من الأئمة أو عن واحد منهم فإنه في معنى من كان أداه اجتهاده إلى قوله قاله وعَلَى ذلك فإنه إذا خرج من خلافهم متوخياً مواطن الاتفاق ما أمكَنه كان آخذاً بالحزم عاملاً بالأولى ويجب عليه الأخذ بالأكثر والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد فإنه يأخذ بالحزم مع جواز عمله بقول الواحد إلا أنني أكره له أن يكون مقتصراً في حكمه عَلَى إتباع مذهب أبيه أو شيخه فلو عدل عما اجتمع عليه الأئمة الثلاثة إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة بمفرده من غير أن يثبت عنده بالدليل ما قال ولا أداه إليه اجتهاده فإني أخاف من الله عز وجل أن يكون اتبع في ذلك هواه ولم يكن من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ثم قال: لو أهملت هذا القول ولم اذكره ومشيت عَلَى ما عليه الفقهاء من أنه لا يصلح أن يكون قاضياً إلا من كان من أهل الاجتهاد لحصل بذلك ضيق وحرج عَلَى الناس فإن غالب شروط الاجتهاد الآن قد فقدت في أكثر القضاة ولذلك ان ولاية الحكام جائزة وأن حكوماتهم صحيحة نافذة وإن لم يكونوا مجتهدين والله أعلم أهـ).
وبهذا علمت أن قد جوز ابن هبيرة قضاء من لم يكن من أهل الاجتهاد وذلك في زمانه ولكنه لك يجوز قضاءَ الجهال ولو نظرنا إلى قوله لأدركنا أن القاضي إذا لم يكن من أهل الاجتهاد يجب عليه أن يكون قريباً من درجته ليتمكن من ترجيح القول الراجح والقول الموافق ولو عَلَى غير مذهبه فإن أئمة الدين والفقهاء المحققين أوصوا باختيار القول الراجح ولو كان عَلَى غير مذهبه (لأن التقليد الأعمى في أحكام الشرع محظور والاجتهاد فيها مستحق).
نهى الشارع عن طلب القضاء وقد ضرب السلف الصالح وحبسوا ليتولوا القضاء فلم يقبلوا وجوز بعضهم طلب القضاء في حالتين إحداهما أن يكون القضاء في غير مستحقه إما لنقص علمه وإما لظهور جوره والحالة الثانية أن لا يكون في القضاء ناظر وهو خال من وال. وطلبه لاحتياجه مباح وإن كان لإقامة الحق فهو مستحب وإن كان طلباً للجاه فهو