واتفق الأئمة الأربعة والفقهاء المتقدمون والمتأخرون عَلَى أن القاضي إذا أخذ القضاء بالرشوة لا يصح قضاؤه وإذا حكم لا ينفذ حكمه ويجب نقضه واجمع الفقهاء عَلَى أن القاضي إذا ارتشى لا ينفذ قضاؤه فيما ارتشى فيه. وقال السرخسي لا ينفذ كلها.
ولا يجوز للقضاة أخذ العائدات والمحصول ولو احتجوا بإذن موليه لأن ابن عابدين أنكرها كل الإنكار وذكر في الخبرية أن من التزم القضاء عَلَى مبلغ معلوم فهو كافر والعياذ بالله ولا يصح الاحتيال لحصول القضاء. وأما القضاء بظلم أو رشوة فيوجب العزل والتعزير وقد منع القاضي من قبول الهدية والاستعارة والاستقراض وسائر ما يتبرع به ويمنح ويجب رد الهدية إلى صاحبها أو لبيت المال إذا لم يعلم صاحبها وعدم القبول هو المقبول. وإذا فسق القاضي عزل ولا يكون القاضي فظاً غليظاً جباراً عنيداً وكره تحريماً اخذ القضاء لمن خاف الظلم والعجز عن إقامة الحق والعدل.
ولاية القاضي مقيدة بالزمان والمكان والحوادث وتكون ولايته عامة أو خاصة في بعض المسائل أو عَلَى أحد المذاهب وله أن يستخلف نواباً إذا فوض إليه صريحاً كولِ من شئت أو دلالة كجعلتك قاضي القضاة ولا يصح للقاضي أو النائب أن يحكم بما خالف الدليل لأنه لا ينفذ ولو حكم به ألف قاضٍ وأما القضاة فهي عَلَى ثلاثة أقسام الأول حكمه بخلاف النص والإجماع فهو باطل ينقض والثاني حكمه فيما اختلف فيه فهذا ينفذ وليس لأحد نقضه والثالث حكمه بشيءٍ يتعين فيه الخلاف بعد الحكم فيه أي يكون الخلاف في نفس الحكم فقيل نفذ وقيل توقف عَلَى إمضاء قاض آخر فلو أبطله الثاني بطل وإن أمضاه فليس لقاض آخر نقضه.
وأما منزلة القضاة من حيث الآخرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس عَلَى جهل فهو في النار فانظر إلى ما كانت عليه أحوال القضاة وأحكامهم تعلم منازلهم.
ويسرنا أن نرى الحكومة الدستورية أخذت تعنى بانتخاب من توفرت فيهم الشروط الشرعية وفقها الله.