في المقالة الثالثة أن مدرسة النواب أسست لتخريج نواب قادرين عَلَى القيام بما يعهد إليهم من الوظائف عارفين بأحكام الشريعة غير أنني حتى الآن لم أصادف بين من اجتمعت بهم من المتخرجين في المدرسة المذكورة عالماً بوظائفه وأحكام الشريعة كما يجب إلا القليل منهم وهذا مما يدل عَلَى أن ذلك المعهد العلمي غير كاف وفي حاجة عظيمة إلى الإصلاح ومع ذلك فإننا نرى كثيرين من النواب تخرجوا بكتابة المحاكم الشرعية وربما يتعلم هؤلاء الكتابة وتنظيم الاعلامات والصكوك والحجج الشرعية وضبط الدعوى وتصير معهم ملكة المعاملات غير أنهم يخبطون في أحكامهم خبط عشواء ويجمعون من مجلة الأحكام العدلية وكتب الفتاوى ما يجدون كحاطب ليل واغرب من ذلك ما صادفته في بر الأناضول وذلك أن النواب هناك يستخدمون نواباً لأنفسهم جوالين (سيار نائب) ثم يأخذونهم إلى باب المشيخة ويجعلونهم نواباً بالوسائط التي بلغوا المناصب بها وقد شاهدنا بأم العين نواباً لم يكونوا ممن انتسب إلى العلم.
فالنواب حينما يذهبون إلى الأستانة في طلب التعيين ينتظرون زماناً طويلاً ويتكبدون نفقات طائلة ويقاسون أنواع العذاب ولا يحصلون عَلَى نيابة إلا بعد أن يصرفوا ما جنوه من أموال العباد في خلال نيابتهم الأولى فيخسرون ما جمعوه وتبقى عليهم حقوق العباد وعذاب الواحد الديان وأغلبهم يصل إلى النيابة إما بطرق غير مشروعة وإما بشفاعة غير جائزة وندر من غدا نائباً بطرق سهلة.
وأما رواتبهم فهي قليلة في أكثر أنحاء المملكة وقلما تقوم بنفقاتهم ولذلك تراهم منصرفين إلى ادخار الأموال ليصرفوها في طرقهم وإقامتهم بالأستانة وأخذ النيابة ولهذا السبب أيضاً ترى همهم تزييد العائدات التي أنكرها الفقهاء عَلَى أن المشيخة الإسلامية تركت تلك العائدات للكتبة فالنواب يشاطرونهم إياها حتى عَلَى تزكية الشهود ونفقات الطريق وأجرة القيد وما يسمونه الدلالية والقرطاسية ولا يسع الكتاب إلا السكوت والرضى لأنهم إذا امتنعوا عن إعطاء القسم الأعظم من العائدات تهددوهم بالعزل وعدم إصدار الاعلامات وحل المخاصمات بلا ضبط فحينئذ إما أن ينعزل الكاتب وإما أن يحرم من العائدات وقد