تزيد هذه العائدات عَلَى رواتب النواب في أغلب الأحيان وتشغلهم كثيراً وتدعوهم إلى إحالة الدعاوي الحقوقية إلى المحكمة الشرعية.
فهذه العائدات عَلَى قسمين قسم مقيد في دفتر الخزينة فما تجاوز الخمسمائة من هذا القسم يكون مشتركاً بين النواب والخزينة وما كان دون الخمسمائة يكون حق النائب والكاتب لذلك لو دققت دفاتر الخزينة في كل الجهات ترى هذه العائدات قلما تجاوزت الخمسمائة وأنا القسم الثاني فذلك ما دخل كيس النائب والكاتب من غير أن يقيد بصندوق الخزينة وهذه الأجور والعائدات مصرح بمقاديرها في نظام أموال الأيتام غير أن الشريعة المطهرة لم تأمر بها عَلَى أننا لو نظرنا إلى حقائق الشريعة وما يقتضيه الدين والصلاح نرى أن أمر القضاء فرض كفاية كحفظ القرآن لا يستحق الأجرة كما فعل أبو بكر بن المظفر الشامي وغيره ولقد أفتى الفقهاء المتقدمون بتخصيص رواتب معلومة من بيت المال لتفرغهم عن المكاسب واشتغالهم بمصالح الناس وأنكروا تناول العائدات وقالوا أن الراتب يجب أن يكون كافياً.
لو نظر المرء إلى (المراسلة) التي تنبئ بنيابتهم وتصرح بوظائفهم تحت توقيع القاضي عسكر وجد أن عمل النواب محصور بإنفاذ الأحكام الشرعية عامة وبشدة الاعتناء في تحرير التركة.
وأما التركة التي يجب تحريرها فهي تركة رجل مات عن صغير أو غائب أو مات عن غير وارث أو إذا كان الميت مستغرقاً بالديون أو إذا طلب أحد الورثة تحرير تركة أبيه والغرض من ذلك حفظ حقوق الورثة وأخص بالذكر منهم الأيتام وقد رأينا النواب مسارعين إلى تحرير التركات غير أن السبب الحقيقي الذي يدفعهم إلى هذه السرعة هي العائدات والنفقات التي يأخذونها فنواب الأناضول تستخدم النواب الجوالين في تحرير التركات فيطوف هؤلاء القرى ويفتشون القبور والمدافن ويستخبرون عن الأموات فعندما يعلمون بوفاة أحد يجب تحرير تركته يحررونها فيتألم الورثة وأهل القرية وتستولي عليهم الكآبة والأحزان فوق حزنهم غير أنهم لا ينطقون ببنت شفة لأن النائب المتجول جاء باسم الدين والحكومة وم أشهد هذه الحالة في البلاد السورية لأن تحرير التركة هنا يتولاه النائب بنفسه أو يرسل رئيس كتابه.