وأما تحرير التركات في مراكز الولايات فذلك من شأن نائب النائب وكتبة المحاكم فهؤلاء يستخدمون جواسيس وأعواناً يطوفون في البلدة ويستخبرون عن الأموات من المغسلين والحفارين ولما يعلمون بتركة تستحق التحرير يذهبون إليها مهرولين فهنالك الطامة الكبرى والمصيبة العظمى عَلَى الأيتام فتؤخذ الأشياء الثمينة والنادرة بثمن بخس واسم مستعار وترسل إلى بيوت النواب والكتبة ثم يحسبون أجرة الدلالة والقيد وأجرة اعلامات الديون واعلامات الصلح وأجرة دفتر القسام وأجرة إقدامهم لأنهم كلفوا أنفسهم وتعبوا في حفظ حقوق الأيتام والورثة. وبعد ذلك يضمنون الطوابع والأوراق الحجازية ويأخذون كل هذه النفقات من ثمن التركة فيصبحون بذلك شركاء الورثة وربما أخذوا أكثر من الورثة وهذا الأمر يكاد يكون عاماً وأما سوء الاستعمال في الإدانة والاستدانة وثبوت الرشد فحدث عنه ولا حرج وندر النواب الصالحون الذين لا يمسون أموال الأيتام.
ولا يخفى أن الله سبحانه وتعالى منع مس أموال الأيتام بتاتاً وصرح بمنعه في آيات عديدة واتفق الفقهاء والعلماء عَلَى تحريم أخذ أموال الأيتام حتى حرموا الجلوس عَلَى كراسيهم وأثاثهم واستعمال أوانيهم ولست أدري عَلَى أي كتاب وأي قول وأي نص يأخذون هذه العائدات والأجور فإن قيل أن في ذلك فتوى أقول ولا أبالي أن لا مساغ للاجتهاد في مورد النص وإجماع الأمة والفقهاء وعَلَى ما أظن أن تلك العائدات وضعها وجوزها القضاة والنواب الذين كانوا يأخذون مناصبهم بطريق المزايدة والالتزام.
وزد على ذلك كله أن النواب أعضاء في مجالس الإدارة ومجلس القرعة العسكرية ولجنة الفراغ ورؤساء للمحاكم البدائية الجزائية ومحاكم الحقوق ودائرة الإجراء ولهذا لا يفترون عن الاستفادة الغير المشروعة من كل مسألة لهم فيها علاقة فالناس والمستخدمون يتألمون مما يشاهدونه من سوء استعمالهم في قسم الجزاء فيحكمون عَلَى بريء ويبرؤن الجاني ويتركون الأشقياء والمجرمين ويحبسون المساكين وتسهيلاً لمقاصدهم يجعلون غرفة الاستقبال في بيوتهم محكمة شرعية عَلَى أن الفقهاء صرحوا بأن القضاء يقام في أكبر الجوامع أو في محل خاص في منتصف البلدة فلو نظرنا إلى التاريخ لعلمنا أن أهم المدارس بدمشق كانت مقراً للقضاة وأن المدرسة العادلية كانت مقراً لقاضي المذهب الشافعي