كلا فليس قضاء الجماعة بجديد في الإسلام بل هو من عصر الصحابة وهم واضعو أساسه المتين في الدور الأول للقضاء في الإسلام.
أما الدور الثاني فالذي اذكره أن دولتين من دول الإسلام تنبهتا إليه وعولتا عليه اولاهما دولة الأمويين في الأندلس التي جعلت في القرن الثالث داراً في قرطبة لشورى القضاء أعضاؤها من جلة العلماء يرجع إليهم في تقرير الأحكام.
والحق أقول أني لم أظفر بكثير بيان عن هذه الشورى لكن ما رأيته عنها في ثنايا الكتب التاريخية يكفي للدلالة عليها فقد ورد ذكرها في نفخ الطيب في ترجمة بعض العلماء كقوله كان فلان مشاوراً وطلب فلان إلى الشورى فأبى ونقل إليَّ ثقة عن كتاب من الأسف أنه غير موجود بين يدي بل هو في مكتبة دمشق وهو كتاب الأحكام للقرطبي ورد فيه ذكر هذه الشورى بقوله أن الشورى خافت الإمام مالكاً في عدة أحكام أخذت فيها بقول أبي القاسم. وفي هذا دليل كاف عَلَى أنه كان لديهم سلطة في التشريع وأن الدولة الأموية ثمة كانت مسددة الأعمال حتى قبيل وهنها وسقوطها حريصة على إجراء قوانين العدل بين رعيتها.
أما الدولة الثانية التي تنبهت إلى مثل ما تنبه إليه الأمويين فهي الدولة العثمانية لهذا العهد فإنها جمعت من علماء الأمة وفقائها الموثوق بفضلهم وعلمهم جماعة سمتهم جمعية المجلة وذلك من بضع وثلاثين سنة انتخبوا من كتب المذهب قانوناً جامعاً لأحكام المدنية وهو المعروف بمجلة الأحكام العدلية وأقر عَلَى العمل به أهل الحل والعقد فصار مرجع القضاء في المحاكم إلى اليوم.