من حكامهم الظالمين وحكوماتهم الجائرة إلا نتيجة توكئهم على ضعف القضاء خصوصاً ما يتعلق منه بولاية المظالم لا لنقص الدين أو الشريعة بل لنقص في طرق التقنين والتنفيذ.
إن الدين الذي ينزل على الظالمين صواعق الإنذار ويقرن الظلم بالشرك بالله تعالى ويأمر بإقامة ميزان العدل ويريد سعادة المجتمع الذي يدين به ما كان ظالماً ولن يكون وإنما المسلمون أنفسهم يظلمون.
تعلمون أن أحفل العصور الإسلامية بالعلماء والمفتين والفقهاء المتشرعين وأرقاها في سلم المدنية الإسلامية عصر هارون الرشيد العباسي إذ الشريعة في إبان زهوها والتفريع في مبدأ مجده والأئمة المجتهدون هم القائمون بالتشريع وإلى كتبهم ترجع الفتوى.
في ذلك العصر الزاهر بمجد الإسلام وأمجاد العظام يرى يوسف صاحب أبي حنيفة من ضعف القضاء وتسلط عمال الجور واضطراب نظام ولاية المظالم ما يلجئه إلى وضع كتاب الخراج لأمير المؤمنين هارون الرشيد وليس فيه إلا آية أو حديث أو مثال من قضاء الصحابة أي كله من أصول تلك الشريعة الطاهرة يذكره فيه بالرجوع إلى قضاء الله ورسوله وأصحابه أو قضاء الجماعة المتين قائلاً: ارجع يا أمير المؤمنين إلى هذه الأصول في سياسة الرعية وجباية الخراج وتوزيع الفيء، اقعد يا أمير المؤمنين بنفسك للمظالم وإنصاف المحكوم من الحاكم، أدرك الزراع فقد كاد يهلكهم الظلم فقد بلغني عن عمالك أنهم يقيمون أهل الخراج في الشمس ويضربونهم الضرب الشديد وأنهم فعلون مما لا يحل لهم بوجه من الوجوه.
هكذا الحال في عصر الرشيد وأئمة الشريعة أحياء يرزقون فما بالكم بما جاء بعده من العصور التي صار فيها التشريع إلى عدد لا يحصى من المخرجين والمرجحين والفقهاء والمفتين وكلهم يقولون قولي أو قول فلان هو شريعة الله المفتى بها والمعول عليها
وما هو إلا تفكك نظام القضاء وتشتت قوة الجماعة فل حول وقوة إلا بالله.
والنتيجة أن ضمان العدالة الوحيد إنما هو قضاء الجماعة لا قضاء الفرد وأعني أن التشريع وحده غير كفيل بالعدل في القضاء إلا إذا أنيط كلاهما بالجماعة بالوضع والتنفيذ ولا تظنون أن هذا المطربش الواقف أمامكم يريد شيئاً جديداً في الدين أو قلباً لكيان الأحكام مع أنه ليس من علماء الدين ولا الأئمة المجتهدين.