للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجماعة عندها لهذا اليوم.

والأمر الثاني أن كل أقوال الفقهاء واختلافاتهم الواردة في كتب الفروع ليست بشرع إلا من حيث اشتمالها عَلَى أحكام يرد بعضها إلى أصول الشريعة إلا أنه غير متوفر فيها شرط التشريع الذي مر. وإناطة ترجيح قول دون آخر من حيث قربه من الأصل بشخص واحد لا يكسب هذا القول أو الحكم قوة التشريع ليسمى شرعاً أو قانوناً وجب العمل به إلا إذا اتفق عليه وقرره جمهور من المتشرعين أو المرجحين وهذا ما اردته من وجوب بقاء الاجتهاد لكي لا ليتناوله من شاءَ فيما شاء. كلا بل ليناط بجماعة من علماء المسلمين تقرير الأحكام التي تدعو إليها المصلحة ويتجدد بتجدد الزمان.

ولذا فإن اجتهاد الجماعة كما أنه لازم في الأصول فهو لازم في الفروع أيضاً وذلك لجمع أقوال الفقهاء عَلَى اختلاف مذاهبهم ما أصاب من تلك الأقوال محجة الصواب والمصلحة ووافق أصول الشريعة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح في كتاب بعينه يعتبر قانوناً في المعاملات مجمعاً عليه من العلماء ليعرف منه كل مسلم ما له من الحقوق وما عليه لا لتقاذفه أقوال الفقهاء من خلاف لآخر ومن قول لنقيضه فتصير به إلى أهواء القضاة والمفتين يحكمون بما ترجح لديهم وبما يشتهون.

وليس اختلاف المذاهب بمانع من أن يحكم للشافعي أو عليه بقول للحنفية أو المالكي بقول للشافعية مثلاً إذ كل أتباع المذاهب أبناءُ دين واحد وكل أقوال كتب الفقهاء مأخذها واحد وهو الشرع والواقع يثبت أن أحكام المعاملات كانت في أكثر الممالك الإسلامية ولم تزل إلى اليوم جارية في القضاء على مذهب الدولة الحاكمة وربما كان أكثر الرعية من أتباع مذهب غر مذهبها.

ومع هذا فليس نكر من العلماء على أهل الدولة فلا سبيل لهم إلى النكير على القائلين بلزوم جمع الأقوال الموافقة لمقتضى المصلحة والعصر من كتب المذاهب وجعلها قانوناً جامعاً في المعاملات للمسلمين بل هذا خير وسيلة لإصلاح القضاء ربما اغتفرت للفقهاء ماضي تفريقهم وحدة الأمة باسم التعصب للمذهب وكانت خاتمة اضطراب نظام القضاء في الإسلام.

ليس اضطراب حبل القضاء في الإسلام بجديد وليس الظلم والعسف الذي لاقاه المسلمون