ولسنا بصدد إطراء هذا العمل الجليل الذي قام به أولئك الأئمة الكبار وحسب هذا العمل أو هذه الخدمة التي خدموا بها الأمة والشرع أنها تصون منزلة الإفتاء والقضاء عن متناول كل من أدعى أن عنده مسكة من العلم بالدين والوقوف على السنة هذا لو أحسن العلماءُ بعد العمل بقوانين الفقه.
وبعد فقد ارتكب الفقهاء متن التضييق والتوسع حتى أحرجوا الأمة والجأوا بعض الحكومات الإسلامية إلى العمل ببعض القوانين المقررة عند الأمم الأوربية خصوصاً الجنائية والتجارية نعم إن اختلاف الأقوال في المسألة الواحدة وكثرة الحواشي والشروح عَلَى القوانين والشرائع موجودة عند كل أمة فالقانون الفرنساوي مثلاً له شراح من المتشرعين وأشهرهم دالوز وكاربانتيه وسيريه وغيرهم كثيرون إلا أن القضاء عند تلك الأمم لما كان بيد الجماعة وقوة التشريع ليست من حق فرد من الأفراد بل من حق الأمة ونوابها فدستور العمل عندهم ما أجمعت عَلَى وضعه قوة التشريع وصادقت على قبوله الحكومة فصا قانوناً للقضاء لا يعدل عنه إلى تلك الحواشي والشروح وآراء المتشرعين ويصار إليها لتفسير مبهم أو تطبيق الحوادث بعضها عَلَى بعض.
لشريعة المسلمين أصول وكليات تعتبر أساساً للتشريع ومع أن أحكامها مسلمة فقد كان العمل بها في عهد الصحابة بالشورى بين المتفقهين منهم هذا فيما نص منها على ما يرد عليهم من النوازل فما بالكم فيما احتاج إلى الاجتهاد والتشريع بالقياس على تلك الأصول أو الاستنباط منها وقد كانوا لا يحكمون حكماً إلا بعد استشارة خيار الأمة وعلمائها وإقرارهم جميعاً عَلَى ذلك الحكم حتى اعتبر بعض الأئمة المجتهدين بعد أحكام الصحابة لقوتها شرعاً أو أصلاً من الأصول التي يبنى عليها التفريع سموه عمل الصحابة أو إجماعهم كما سبقت الإشارة إليه وكما ترون ذلك في كتب الأصول.
إذا كان إجماع الصحابة عَلَى مسألة شرط في صحتها واعتبارها شرعاً يلزمنا العمل به فقد لزم من هذا أمران:
الأول: إن إجماع الجماعة على تقرير حكم في مسألة شرط في صحة ذلك الحكم واعتباره شرعاً لزمنا العمل به وهو ما تفعله الأمم الأوربية في تقنين قوانينها لهذا العهد وقد وجد له أصل في الشرع الإسلامي فتركناه وأصبحنا نغبط الأمم الأوربية وقوانينها أو قضاء