لا يتأتى لغريب عن أمة أن يعرفها حق المعرفة إلا إذا درس لغتها وتاريخها وآدابها. واللغة مفتاح باب كل معرفة ومقدمة بين يدي كل عمل. ولذلك كان من الراغبين في درس أحوال الشرق من أهل أوربا أن يدرسوا لغاته ليحيطوا خبراً بأهله وكان للغة العربية المقام الأول بين تلك اللغات لأنها لغة أمة ذات حضارة باهرة ودين دان به أهل الأقطار المعتدلة من صميم الشرق.
فتوفروا على إحكام العربية وتنافسوا في تعليمها حتى نبغ منهم أناس لم يقلوا في فهم أسرارها عن خلص أبنائها الذين نشؤا في حجرها وأحكموا ملكة نظمها ونثرها وكان لفرنسا من بين ممالك الغرب يد طولى في هذا المضمار. وكل مملكة من ممالك أوربا وأمريكا لا تخلو من أفراد من أهلها أنفسهم يعانون حل معضلات لغة العرب وينسلون إلى تلقفها من كل حدب.
ولقد دعوا تعلم هذه اللغات وما ينبغي لها علم المشرقيات أو الاستشراق والمشتغلين بها علماء المشرقيات أو المستشرقين وقديماً كان العارفون من أهل هذا الشأن من الفرنسيس أكثر من غيرهم وقد أصبحوا اليوم وأكثرهم من الألمان. والألمان أمهر الغربيين في النطق باللسان العربي وأكثرهم نبوغاً فيه وعند الألمان من علماء المشرقيات بقدر ما عند الفرنسيس والنمسويين والمجريين والإيطاليين والهولانديين والإنكليز والروس والإسبانيين والبرتغاليين والأمركيين والبلجيكيين وكثرة عدد وحسن معرفة ولا عجب فالألمان نبغوا في كل شأن من شؤون الحياة والعلم والصناعة ودرس العربية كان له النصيب الأوفر من عنايتهم.
وقد اشتهرت في فرنسا الجمعية الآسياوية ومدرسة اللغات الشرقية الحية وقد درست أحوالهما وزرتهما غير مامرة وهاءنذا الخص للقارئ ما عرفته عن الجمعية الآسياوية بواسطة صديقي المسيو لوسين بوفا أحد الأعضاء العاملين العالمين في الجمعية المشار إليها فقد كتب إليَّ ما تعريبه: إن فكر تأسيس جمعية علمية تعنى بدراسة الشرق قد جرى البحث فيه منذ أواسط القرن الثامن عشر ولكنه لم يتم إلا بعد زمن طويل. فقد أنشئت الجمعيات الأولى للباحثين في المشرقيات خارج أوربا مثل جمعية العلوم والفنون في باتافيا (١٧٧٨) والجمعية الآسياوية في البنغال (١٧٨٤) والجمعية الآسياوية في بومباي (١٨٠٥)