ومنذ ذاك العهد أنشئت في أوربا وأمريكا عدة جمعيات للمستشرقين ولكن أقدمها عهداً الجمعية الآسياوية في باريز أسست سنة ١٨٢٢.
وعَلَى ذلك العهد رأى جماعة من مستشرقي الفرنسيس أن الحاجة ماسة إلى أن يجتمعوا أو يجمعوا مواد الدروس المختلفة الضرورية لهم وأن يصدروا مجلة تكون لسان حالهم وقائمة أعمالهم. وكان المسيو ديلاستي أنشط هؤلاء العلماء وبفضله أسست الجمعية الآسياوية التي ناب في رئاستها ما يقرب من ثلاثين سنة وكان الرئيس إذ ذاك سلفستردي ساسي أحد أعضاء المجمع العلمي وأستاذ مدرسة فرنسا ومدرة اللغات الشرقية وهو أعظم من خدم اللغة الربية في فرنسا وربما كان أعظم مستشرق نبغ ونفع الفرنسيس وكان من مؤسسي الجمعية أيضاً كوسان دي برسفال وكارسين دي فاسي ورموسا.
فبدأت الجمعية أعمالها لأول تأسيسها بنشر المجلة الآسياوية التي اختصت بالبحث في لغات الشرق وتاريخه وعلومه وآثاره ولا تزال إلى اليوم نموذج العلم الراقي وسيدة المجلات الأخصائية في فرنسا.
وأنشأت الجمعية خزانة كتب جمعت فيها كل ما وصلت يدها إليه من الكتب والمخطوطات والرسوم وغيرها مما يفيد العلماء من أعضائها وجمعت أيضاً مجموعات من النقود القديمة والتحف البديعة. ونشرت مصنفات في تاريخ الشرق وأصول لغاته وفلسفته وأديانه وطبعت عَلَى نفقتها عدة مصنفات وساعدت كثيرين مساعدات أدبية ومادية على نشر الكتب النافعة وكان نشر المخطوطات وترجمتها من أهم الأعمال التي تعنى بها. وخصت جلساتها في سماع المراسلات والمناقشات العلمية النافعة كما عنيت بمراسلة العلماء الأجانب عَلَى الدوام والانتفاع بآرائهم وأعمالهم.
وإذ قد ظهرت منافع الجمعية الآسياوية سنة ١٨٢٨ عادت بعد أن ضعف أمرها بضع سنين إلى مكانتها الأولى ولم تلبث أن قويت عن ذي قبل وانتشرت كلمتها فرأسها أمثال سلفستردي ساسي ثم جوبر ورينووموهل وكارسان دي تاسي ورنيه ورنان وباربيه دي مينار وسينار. ومن جملة رؤسائها الثانويين كوسين دي برسفال وبارتلمي سان هيلير ودفرني وبوريه دي كورتيل وماسبرو وربنس دوفال وبين امناء سرها ابيل ريمورا وجايمس ودار مستثير وشافان.